الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
ألمانيا تدق ناقوس الخطر: الجهاديون واليمين المتطرف معًا!
هل أدركت ألمانيا مخاطر الجهاديين الإسلاميين واليمين المتطرف متأخرًا؟

خاص كيو بوست –
جاء التقرير السنوي الذي أصدرته الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، مؤخرًا، ليدق ناقوس الخطر من صعود السلفية الجهادية على أراضيها، ليقابله صعود مماثل لليمين الألماني المتطرف (الشعبوي)، لدرجة أن التقرير تطرق إلى أرقام مخيفة فيما يتعلق بـ”الإسلامويين المتشددين” من ناحية، والقوميين والنازيين الجدد من ناحية أخرى.
اقرأ أيضًا: لماذا يحتاج كل من الفِكر الإسلامي المتطرف و”أقصى اليمين” في الغرب بعضهما البعض؟
وقدر التقرير عدد الذين يتبنون فكر السلفية الجهادية في ألمانيا بـ10800 شخص، بينهم 775 عنصرًا يُصنفون بالخطيرين أمنيًا. وفي المقابل، يكشف التقرير الاستخباراتي عن عدد عناصر اليمين الألماني المتطرف، الذي يصل إلى 24 ألفًا، بينهم 6 آلاف يُسمون بالنازيين الجدد، فضلًا عن نحو 16500 من عناصر منظمة متشددة تُسمى بـ”الرايخ”، لا تؤمن بالنظام السياسي الحالي في الدولة الألمانية.
الجهادية في أوروبا
وقبل الغوص في طبيعة العلاقة بين صعود النهجين المذكورين في أوروبا (السلفية واليمين الشعبوي)، سنفصل أكثر في تحليل الأرقام والظروف الخاصة بالفكر الجهادي في القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة.
وفي السياق، يقول خبير الاستخبارات العراقي المقيم في ألمانيا جاسم محمد إن هذه الأرقام تؤكد مدى تنامي أعداد “السلفيين الجهاديين” في عموم أوروبا، بشكل ملفت للنظر منذ عام 2012-2013، الوقت الذي بدأ فيه تنظيم “داعش” بالظهور في سوريا والعراق في بادئ الأمر.
ويوضح محمد أن الأرقام المهولة للسلفيين في أوروبا لا تعني بالضرورة أنهم جميعًا ينتمون لداعش، غير أنّ تحقيقات الاستخبارات الألمانية أكدت أن الأنشطة التي تقوم بها الجماعات السلفية في أوروبا ترفد تنظيم داعش بأعداد كبيرة من المقاتلين، علاوة على الدعم اللوجستي والتمويل. وكانت هذه الجماعات المتشددة تنشط داخل أوروبا رغم المراقبة الأمنية، ولكن الأعداد الكبيرة يصعب مراقبتها على مدار الساعة من قبل أجهزة الاستخبارات، وهذا هو التحدي الأكبر، وفقًا لجاسم محمد.
هل جاءت الاستخبارات الأوروبية متأخرة؟
وقال محمد: “عندما نتحدث عن 775 من العناصر الجهادية الخطرة في ألمانيا، فإن هذا يعني، بمفهوم الاستخبارات، أنهم منفذون محتملون لعمليات “إرهابية” داخل هذا البلد الأوروبي؛ فهم حاصلون على التدريب، ولديهم قدرات على صنع المتفجرات والمواد التي تستخدم في العمليات”.
ويبين جاسم محمد أن فرنسا تتصدر الدول الأوروبية في اقتناء العدد الأكبر من السلفيين الجهاديين، إذ يُقدر بـ18 ألف متطرف، تليها ألمانيا، ثم بلجيكا التي يتواجد فيها 4 آلاف سلفي متطرف، وهو رقم كبير بالنسبة إلى مجموع سكان الدولة.
لكن ألمانيا تبقى ملاذًا بالنسبة لجماعة “الإخوان”، والجماعات المتطرفة، للانطلاق نحو دول أوروبية أخرى، بحسب تصريحات جاسم محمد.
اقرأ أيضًا: ما هو ”اليمين البديل”؟ وكيف تتقاطع مصالحه مع الجهاديين؟
وبالرغم من أن الاستخبارات الألمانية أولت أهمية قصوى لمواجهة السلفية الجهادية، أكثر من تلك المبذولة ضد اليمين الألماني المتطرف، إلا أن المتحدث يشدد على أن اليمين الشعبوي الألماني بات يشكل تهديدًا لهذه الدولة إلى حد غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ما يعني أن برلين مهددة من الجماعات الجهادية واليمين المتطرف في آن.
وصدر تقرير استخباراتي ألماني منذ يومين، كشف أن اليمين القومي المتطرف وضع نحو 25 ألف هدف له، يتمثل بشخصيات ومنشآت داخل القارة، تحت عنوان “الخصوم”، أي أنهم مستهدفون من اليمين المتطرف. إضافة إلى ذلك، يلاحظ أن اليمين المتطرف صعد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وحصد بعض أقطابه مقاعد برلمانية في عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك البرلمان الألماني، الذي باتوا يشكلون فيه 15% من الأعضاء، علاوة على أن الحزب الحاكم داخل ألمانيا بدأ يميل -شيئًا فشيئًا- نحو اليمين الأقصى.
منفعة متبادلة وردة فعل
هل ثمة علاقة بين صعود اليمين المتطرف المتعلق بالإسلاموفوبيا والجهادية، بالترافق مع موجات اللجوء الضخمة من السورية في السنوات الأخيرة؟ يرى جاسم محمد أن العلاقة بين الصعودين طردي لا محال؛ فاليمين الشعبوي في عموم أوروبا يتغذى على العمليات التي تقوم بها “جماعات إسلاموية متشددة”. وفي المقابل، تقوم الأخيرة بالتغذي على صناعة الكراهية والدعاية المتطرفة المضادة القائمة على استغلال تطرف اليمين الأوروبي.
ويخلص محمد إلى القول إن ألمانيا تعيش تحت وقع تهديد “الجهاد”، واليمين الشعبوي، مرجحًا أن قوتيهما ستشهد مزيدًا من التعاظم؛ ما يتطلب من الاستخبارات الألمانية تحديث مواردها وهيكليتها.
وبينما يتفق الخبير بالجماعات الإسلامية بكر أبو بكر مع جاسم محمد فيما يخص مبدأ تصاعد خطورة الجماعات الإسلاموية المتشددة ومعها اليمين المتطرف، إلا أنه يختلف مع مع محمد في اعتبار تنامي اليمين رد فعل لتصاعد السلفية الجهادية في أوروبا، كعامل وحيد فقط.
أبو بكر يرى أنه لا يمكن أن يكون الإسلام المتشدد عاملًا وحيدًا لتعاظم اليمين الأوروبي الشعبوي، بل ثمة عوامل أخرى. ويتمثل العامل الأبرز في طريقة تعامل الحكومات الألمانية المتعاقبة مع فئة في بلادها تفكر بطريقة قومية عنصرية تمتعض من شعور ألمانيا بعقدة الذنب إزاء إسرائيل بسبب محرقة اليهود، فهذه الفئة القومية معادية ليس فقط للإسلام، بل واليهود، وكل ما هو غير ألماني.
اقرأ أيضًا: إشكالية الإسلام في أوروبا: هل سنشهد صراعات دموية مع الأوروبيين؟
وقد عاظم هذا الشعور أيضًا عامل موجات اللجوء الضخمة التي احتضنت منها ألمانيا نحو مليون لاجئ عربي (معظم سوريون) في السنوات الثلاث الأخيرة، ما دفع القوميين إلى الشعور بالخوف، ليس لما يشكلوه من “عنف”، وإنما لأن العرب ينجبون أكثر من الألمان، الأمر الذي دفعهم إلى الخوف على مستقبل عرقهم.
ولهذا يعتقد أبو بكر أن صعود اليمين الشعبوي الأوروبي كان بمثابة ردة فعل على المفهوم الأحادي الاستعلائي داخل الفكر الأوربي الحديث، الذي يقوم على أساس “أن أوروبا الأفضل والأحسن من باقي الشعوب”.
وبموازاة ذلك، هناك عامل حضاري فكري يقف وراء صعود الشعبوية الأوروبية، كما يظن أبو بكر، فهذا الصعود جاء وسط تنامي كيانات ثلاثة متطرفة؛ هي الصهيونية -التي سنّت قبل أيام قانون “القومية” القائم على بنود تجمع بين مفاهيم ثلاثة “بائدة” هي الاستيطان والاستعمار والفصل العنصري- وكذلك اليمين الأوروبي القومي، ومعهما الجهادية الإسلاموية المتطرفة.
“وينبع فكر الكيانات الثلاثة من العقيدة نفسها، القائمة على استثناء الآخر، والاعتقاد بأن قوميتها وعرقها هو الأفضل، فما يجري هو بمثابة “رِدّة” عن المفهوم الديموقراطي لدى الشرق والغرب أيضًا. ولهذا، لا يمكن اعتبار أن صعود اليمين الأوروبي المتطرف جاء بسبب ظهور داعش وتنامي السلفية الجهادية في الغرب فقط”، يقول بكر أبو بكر.
استغلال اللاجئين
وبينما استغلت الجماعات الإسلاموية المتشددة موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، سجلت أجهزة الاستخبارات الألمانية أنشطة لهذه الجماعات داخل مراكز اللجوء، حيث كانت تستغل حاجات اللاجئين، ثم تستقطب أعدادًا منهم إلى المراكز التي تدار من الجماعات. ولهذا كانت نسبة كبيرة من المتورطين في تنفيذ العمليات الإرهابية بألمانيا من اللاجئين، خصوصًا ممن رُفضت طلبات لجوئهم.
اقرأ أيضًا: التحريض الصهيوني ضد العرب: نسخة أخرى من اليمين المتطرف في أوروبا
وجعل هذا الأمر الاستخبارات الألمانية تتخذ العديد من الإجراءات والتدابير بالتنسيق مع دائرة “الهجرة”، للحيلولة دون استغلال اللاجئين وتجنيدهم من قبل الجماعات السلفية المتشددة.
ولعل الضغوطات الاقتصادية التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما يترافق معها من التلويح بحرب تجارية ضد أوروبا، ناهيك عن التسبب بخسارة شركات أوروبية لمليارات الدولارات نتيجة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، كل ذلك سيتسبب بصعود اليمين الشعبوي في أوروبا أكثر، في حال تعقدت أوضاعها الاقتصادية في المرحلة القادمة.