الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
أصول مثيرة للجدل وراء قصة فيلم “مولان”!
بُني فيلم "مولان" على قصة تمت إعادة إنتاجها مراراً على مدار أكثر من ألف عام.. ويتم التنازع على أصولها منذ بدايتها

كيوبوست – ترجمات
سوين هاينز♦
في مشاهد تسلسلية مكثفة وتصوير سينمائي شامل، تظهر بطلة فيلم “مولان” في المقطع الدعائي الأخير وهي تتعهد بـ”تشريفنا جميعاً”؛ حيث يصور هذا الفيديو الدعائي مولان وهي تقود جيشاً من الرجال إلى معركة ضد الخصوم الشرسة. فمؤخراً، يواجه فيلم الحركة الحية معركته الخاصة بعد أن كان من المقرر طرحه في الأسواق في شهر مارس 2019، وتم تأجيل عرضه بسبب جائحة كورونا، والآن يتم عرضه على خدمة البث الخاصة بشبكات شركة “ديزني”.
اقرأ أيضاً: الحكومة الصينية تدعم منتجاً أمريكياً للمرة الأولى.. والسبب “مولان“
وقد جاءت ردود الفعل الأولية إيجابية إلى حد كبير، بعد عرضه الأول في لوس أنجلوس؛ حيث وصفه النقاد بأنه أفضل عرض مباشر تقدمه “ديزني” حتى الآن؛ خصوصاً أنه تم طرحه في الوقت الذي تدعم فيه هوليوود زيادة العروض التي تقدم القصص الآسيوية والآسيوية– الأمريكية المشتركة، ويعد فيلم “مولان” هو الأول الذي يحمل علامة “ديزني” التجارية، بطاقم عمل آسيوي بالكامل، بالتعاون مع ممثلين مشهورين من الصين وهونج كونج؛ مثل بطلة العمل ليو يي فاي، وجيت لي، وتزي ما، في أدوار رئيسية.
وتم الاحتفاء بالإصدار الخاص للمخرجة نيكي كارو، من القصة التقليدية لـ”مولان” بأنها إعادة سرد نسوية؛ حيث استبعدت الحبكة الفرعية الرومانسية من فيلم الرسوم المتحركة الذي تم إنتاجه عام 1998، بينما قامت كارو بالتركيز على شخصية مولان كمحاربة قوية ورائعة. وتعتبر كارو واحدة من 4 نساء فقط اللاتي أخرجن فيلماً بالحركة الحية بميزانية تزيد على 100 مليون دولار؛ حيث تجاوزت تكلفة فيلم “مولان” الـ200 مليون دولار.

ومع المقطع الدعائي الأول للفيلم، والذي تم إطلاقه في أغسطس 2019، واجه الفيلم جدلاً كبيراً؛ حيث تعرَّض إلى حملات مقاطعة بسبب البطلة الرئيسة للفيلم ليو يي فاي، والتي قامت بدور “مولان”، والتي صرَّحت على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال ذروة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية العام الماضي، مؤكدة دعمها لشرطة هونج كونج.
اقرأ أيضاً: ما جذور المحاربات الحسناوات في الكتب الهزلية والأفلام السينمائية؟
وفي العرض الأوروبي الأول للفيلم في مارس بوسط لندن، قبل أيام من قرار تأجيل عرضه، تجمع خارج المكان محتجون يرتدون الأقنعة حاملين لافتات تدعو إلى مقاطعة الفيلم، كما سخروا من البوستر الدعائي، معتبرين أنه دعاية وإعلان لشرطة هونج كونج. وعند انطلاق الفيلم، اشتد الجدل وحملات المقاطعة بعد أن لاحظ المشاهدون أن تترات الفيلم تقدم شكراً لسلطات البلدية في شينجيانج؛ وهي منطقة الحكم الذاتي الصينية، حيث معسكرات الاعتقال وانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الإيغور، والتي تم توثيقها جيداً.
وفي الوقت الذي ثار فيه الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين دعوات المقاطعة وحملات الترويج للفيلم، كان هناك آخرون يشيرون إلى الأخطاء التاريخية التي ظهرت سريعاً في الفيديو الترويجي؛ خصوصاً في تصميم الأزياء والبناء المعماري، والتي تبدو غير مطابقة للفترة الزمنية والموقع الجغرافي لأحداث القصة الأصلية.

وبالطبع، ليس من السهل الإجابة عن أسئلة مثل الدقة التاريخية، وما إذا كان الفيلم يسعى ليكون مخلصاً تماماً للأسطورة الأصلية؛ حيث بُني فيلم “مولان” على قصة تمت إعادة إنتاجها مراراً على مدار أكثر من ألف عام، والتي يتم التنازع على أصولها منذ بدايتها. وفي هذه المقالة نوضح الأصول المعقدة للموضوع، وكيف تغيرت القصة مع مرور الوقت، وما تقدمه لنا المعالجة الجديدة للأسطورة.
أصل الأسطورة
تختلف قصة “مولان” الأصلية تماماً؛ سواء عن فيلم الرسوم المتحركة الذي أنتجته شركة “ديزني” عام 1998، أو فيلم الحركة الحية الجديد. حيث ظهرت أول نسخة مطبوعة من القصة في مختارات من القرن الثاني عشر، ولا تزال تلك النسخة موجودة حتى الآن ومعروفة باسم “الأغنية الراقصة لمولان”؛ وهي عبارة عن قصيدة قصيرة يُقال إنها نشأت كحكاية شعبية في القرن الرابع أو الخامس، وذلك بسبب الإشارات إلى الفترة المعروفة باسم سلالة واي الشمالية، والتي استمرت من القرن الرابع حتى أوائل القرن السادس الميلادي.
شاهد: فيديوغراف.. جاكي شان يحمي علم الصين ضد متظاهري هونج كونج
يقول سان بينغ تشين، الباحث المستقل ومؤلف كتاب «الصين متعددة الثقافات في أوائل العصور الوسطى»: “أي شيء لم يرد ذكره في هذه القصيدة الأصلية قد اختلقه مؤلفون لاحقون بوقتٍ طويل، ولا يمكن إثبات ذلك تاريخياً”. وتوالى بعد هذه النسخة الأصلية سرد القصة بشكل مبسط عن حكاية “مولان” التي أصبح يعرفها الكثيرون (والتي لا تحتوي بالطبع على التنين الناطق الذي تم تقديمه في فيلم الرسوم المتحركة).

وتقول الحكاية إنه تم استدعاء والد مولان للقتال في معركة؛ لكنها تطوعت للذهاب بدلاً منه -في حين أنه في القصيدة الأصلية لم يتم ذكر والدها بأنه كبير في السن أو حتى مريض كما حدث في النسخ اللاحقة. كما قيل في القصيدة الأصلية أيضاً إنه لم يكن له أبناء بالغون في المنزل ليحلوا محله- ثم بعد 12 عاماً من الحرب، تعود مولان إلى مسقط رأسها مع رفاقها في سنوات الحرب، وتصدمهم معرفة حقيقة أنها امرأة.
اقرأ أيضاً: الإبادة الثقافية للمسلمين في شينغيناغ.. كيف تستهدف الصين الفنانين والكتاب الإيغوريين؟
وبشكل عام، فإن هذه النسخة القديمة عن مولان “قد أدت مهمتها” كما قال شيامين كوا؛ الأستاذ المساعد للغات وثقافات شرق آسيا والأدب المقارن في كلية برين ماور، وقد شارك في تأليف كتاب «مولان: خمسة إصدارات للأسطورة الصينية الكلاسيكية». كما تؤكد النسخ القديمة من الأسطورة أزمات النوع الاجتماعي؛ حيث بدأت بمولان وهي تغزل بعض النسيج، العمل الخاص بالنساء قديماً، وهو جانب من جوانب القصة الذي سوف يتطور في المعالجات اللاحقة.
الأصول العرقية للشخصيات
تأسست سلالة واي الشمالية على يد مجموعة من البدو الرحل الذين يُطلق عليهم “توبا”؛ وهم عشيرة من شعب زيانبي الذين أتوا من شمال الصين، ومن المحتمل أنهم كانوا يتحدثون لغة تركية أو منغولية بدائية، بدلاً عن اللهجة المحلية الأصلية للصين. يقول سانبينج تشين: “إن غزو توبا لشمال الصين كان ذا أهمية تاريخية كبيرة، قريب الشبه بغزو النورمان لإنجلترا”.

وبينما قدَّمت البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة لسلالة واي الشمالية الحاكمة سياق الحكاية الأصلية، فإنه لا يوجد دليل مؤيد لتأكيد أن مولان كانت شخصاً حقيقياً على الإطلاق. وبمرور الوقت، فإن الحكاية الأصلية والأصول البدوية والقبلية للشخصية كلها أمور تغيَّرت بشكل كبير. وقد تم تصوير شخصية مولان على أنها تنتمي إلى سلالة الهان الصينية في بعض المعالجات على مدار القرن الماضي، وتلك الـ”خطيئة” أو ما يمكن أن يطلق عليه الوقوع تحت تأثير ثقافة هان الصينية، تعود إلى عهد سلالة أسرة تانج، والتي امتدت من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي. ورغم أن اسم “مولان” يتم ترجمته إلى “ماغنوليا” باللغة الصينية؛ فإن بحث تشين يتتبع جذور الاسم إلى أصول توبا، ويقترح أنه في الواقع اسم مذكر.
اقرأ أيضاً: الصين تتجه إلى غزو العالم ثقافياً وتجارياً
أما في ما يخص تقليد ربط القدمَين للإناث؛ فهذا لم يرد ذكره في النص الأصلي، حيث لم تتم ممارسة تلك العادة على نطاقٍ واسع خلال عهد أسرة واي الشمالية، يقول كوا: “لكن في القرن السادس عشر، كان هذا هو المؤشر الرئيس على اختلاف المرأة عن الرجل”. وتؤكد مسرحية القرن السادس عشر هذا الجانب بطريقة لم تحدث في القصيدة الأصلية، كما قدمت إعدادات المكان ليبدو مطابقاً لتلك الفترة الزمنية.

ولاحقاً في رواية شهيرة من القرن السابع عشر والتي تتناول قصة سلالة سواي وأوائل سلالة أسرة تانج، تم إدراج شخصية مولان، التي تعتبر خروجاً ملحوظاً عن القصيدة. حيث تنتحر مولان بدلاً من العيش تحت حكم أجنبي لتنتهي نهاية تراجيدية. ويظهر هذا أيضاً من خلال التركيز على الأصول العرقية للشخصية في تصوير مولان خلال فترة الجمهوريين في الصين.
شاهد: فيديوغراف.. “كورونا” يُصيب الفن السابع حول العالم
ونتيجة لنشاط صناعة الصور المتحركة في الصين ونمو أفكار القومية، تم إنتاج العديد من المعالجات السينمائية للقصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وكانت أكثرها نجاحاً هي النسخة التي تم إنتاجها عام 1939، والتي انضمت فيها مولان إلى قوات الجيش، وكان ذلك أثناء الاحتلال الياباني للصين. حيث لعبت هذه النسخة على أفكار المساواة في النوع الاجتماعي، وكذلك أفكار الهوية الوطنية في مواجهة الخلفية السياسية المعقدة. وقد تجادل البعض حول أن الاهتمام المتجدد الذي أثارته قصة مولان يعود بشكل جزئي إلى إيحاءات القومية وانتقادات الاحتلال؛ بما يتناسب مع الوضع السياسي آنذاك.
النسخة المعالجة لعام 2020
يساعد النظر إلى أسطورة مولان الأصلية في تفسير الانتقادات التي يتم توجيهها بشأن اختيارات أساليب معينة في الفيلم؛ مثل الأزياء والهندسة المعمارية. ويتجادل البعض حول التعديلات على الكثير من القصص التاريخية المختلفة، والتي تتغير بمرور الوقت وليست دقيقة دائماً. يتساءل كوا: “أشعر وكأننا محاصرون بالمعالجات من جميع الأنواع؛ فهل نشعر بالغضب من (أوليسيس) نسخة الكاتب جيمس جويس عن ملحمة الأوديسة لهوميروس؛ لأن هذه الرواية لا تقدم تمثيلاً دقيقاً عن الملحمة الأصلية؟”.

وفي العرض العالمي الأول للفيلم في مارس 2020، قالت مصممة الأزياء بينا دياجيلر لمجلة فارياتي: “إن سلالة أسرة تانج كانت مصدر الإلهام لأزياء الفيلم”، كما أضافت أن البحث تضمن بعض الرحلات إلى المتاحف الأوروبية التي تحتوي على أقسام خاصة بالصين، إلى جانب زيارة مدتها ثلاثة أسابيع إلى الصين. وأثارت تعليقاتها على الفور ردود أفعال عنيفة سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع، مع تسليط الضوء على أهمية دور مصمم الأزياء في الأعمال السينمائية، وكيف أنها فرصة ضائعة إذا تم توظيف شخص ليست لديه الخبرة الثقافية لتعكس أصول القصة بشكل دقيق ليظهر جلياً من خلال الأزياء.
اقرأ أيضاً: “نتفليكس“.. لشباك السينما الكلمة الأخيرة
وبالنسبة إلى البعض، فإن الأسئلة المتعلقة بالمعالجة والدقة التاريخية لا تنفصل عما يتم تقديمه، سواء على الشاشة أو خلف الكاميرات. وفي حين أنه تمت الإشادة بطاقم التمثيل الآسيوي للفيلم؛ حيث إن العديد منهم من أصل صيني، فقد كانت هناك انتقادات بشأن عدم تمتع بعض من طاقم التمثيل بالحضور المطلوب، وما يعنيه ذلك للفيلم وما تعبر عنه رسالته ككل.
وبالنسبة إلى الآخرين، تكمن قوة المعالجة الجديدة للفيلم في مدى جودته في نقل رسالة قصة مولان. يقول المؤرخ كوا: “في نهاية المطاف، يكمن نجاح أية معالجة أو تعديل للنص الأصلي في مدى توافقه مع الجمهور، بدلاً من مدى دعمه أو أن يكون نسخة كالأصلية بشكل جيد”، مضيفاً أن التحول من القصيدة الأصلية إلى مسرحية القرن السادس عشر كان أيضاً جذرياً؛ تماماً مثل الترخيص الإبداعي الذي يبدو أن “ديزني” قد حرصت عليه مع القصة الأصلية.
♦مراسلة مجلة “تايم” في لندن، ومتخصصة في قضايا النوع الاجتماعي والثقافة.