الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
أصوات جزائرية تندد بتجسس سفارة أنقرة على معارضي أردوغان
مراقبون لـ كيوبوست: أنقرة تواصل ممارساتها المشينة وتتخذ من بعثتها الدبلوماسية بالجزائر مقراً للتجسس متجاوزة أصول الضيافة والدبلوماسية

الجزائر- علي ياحي
تواصل أنقرة ممارساتها المشينة، وهذه المرة بعدم احترامها للأعراف الدبلوماسية، حيث كشف موقع “نورديك مونيتور” السويدي، عن استغلال نظام الرئيس التركي رجب أردوغان، لسفارته بالجزائر، في التجسس على معارضيه.
وقال الموقع في تقرير نشر مؤخراً: إن وثائق قضائية أكدت أن البعثات الدبلوماسية التركية قامت بحملة لجمع معلومات استخباراتية ومراقبة أنشطة منتقدي الرئيس التركي، حيث تم استخدام تلك المعلومات لاحقاً في لائحة اتهام جنائية بالتورط في أنشطة إرهابية أمام النيابة العامة التركية، موضحاً أنه “وفقاً لقرار صادر من المدعي العام آدم أكنسي، في 19 ديسمبر 2018، فإن مكتب النائب العام في أنقرة، أطلق تحقيقاً منفصلاً يتعلق باثنين من المواطنين الأتراك المقيمين في الجزائر، حيث تم إدراجهما في ملفات التجسس التي أرسلها دبلوماسيون أتراك إلى السلطات التركية، دون أن يكون هناك دليل ملموس على تورطهما”.
اقرأ أيضا: تهافت الإخوان على انتخابات البرلمان في الجزائر يكشف عن استغلال سياسي
وأضاف “نورديك مونيتور”، أنه تم اتهام المواطنين التركيين المقيمين في الجزائر بالانضمام إلى جماعةٍ إرهابية، حيث ارتكز التحقيق على ملفات التجسس التي أعدتها السفارة التركية هناك، خلال الفترة من 2016 إلى 2018، وتم نقل تلك الملفات إلى وزارة الخارجية التركية عبر محمد بوروي، السفير التركي في الجزائر آنذاك، والذي تولى مهام هذا المنصب في الفترة من 2015 إلى 2019.

وأشار الموقع السويدي الى أن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وجه الشكر يوم 21 يناير الماضي، إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على أثر ترحيل رجل أعمال تركي مقيم في الجزائر، تمت الإشارة إليه بالأحرف الأولى من اسمه، على خلفية علاقاتٍ مزعومة مع جماعة رجل الدين التركي المعارض فتح الله غولن، حيث تم استقدامه إلى أنقرة من جانب وكالة الاستخبارات التركية.
تمدد تركي
تعليقاً على التصرف التركي، يقول الباحث في الشؤون المغاربية، سعيد هادف، في تصريحٍ لـ”كيوبوست”، إنه منذ مطلع هذا القرن بدأت تركيا تكثّف حضورها الدبلوماسي والثقافي والاقتصادي في العالم، وكان لإفريقيا قسط وافر من هذا التمدد، حيث زارها أردوغان ورئيس وزرائه عشرات المرات، وافتتح بها عدداً من التمثيليات الدبلوماسية، وبالتالي فإن الجزائر كانت وجهة تركية لعدة أسبابٍ لعل أهمها حاجة الجزائر إلى فك العزلة التي عانت منها، فضلاً عن كون الجزائر تمثل جزءاً من التاريخ العثماني، مضيفاً أن التقارب ما كان له أن يحدث لو لم يكن هناك وسيط يضطلع بهذا الدور، خصوصاً بعد أن أصبحت تركيا ملاذ الإخوان المسلمين.

ويواصل هادف، أن هذا الوسيط هو إخوان الجزائر الذي يمكن القول إنهم ممثلو تركيا في البلاد وممثلو الجزائر في تركيا، وتابع أنه “في ضوء هذه المعطيات نفهم طريقة الاختراق التركي للجزائر”، متسائلا: من المسؤول عن هذا الاختراق؟ ليرد أنه بطبيعة الحال، المخابرات التركية، من منطلق أنها لم تحترم سيادة بلد صديق، ثم إخوان الجزائر بمؤسساتهم، حيث إن ولاءهم لم يكن لوطنهم الجزائر بل لجهةٍ أجنبية، وثالثا المصالح الأمنية التي فشلت في حماية السيادة الوطنية.
اقرأ أيضا: أطماع نظام أردوغان تستفز الجزائر.. وأزمة “صامتة” بين البلدين!
ليستِ المرة الأولى التي تتجاوز أنقرة حدودها مع الجزائر، فلها سوابق مع تدخلها في ذاكرة الجزائريين في إطار معركتها مع فرنسا، حيث حاولت استخدام معاناة الجزائريين مع جرائم فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، ثم دعمها للإخوان على حساب استقرار البلاد، ثم تعامل أجهزتها الاستخباراتية مع حركة “رشاد” التي صنفتها السلطات الجزائرية ضمن قائمة الكيانات الإرهابية التي تستهدف إثارة الفوضى في البلاد.
وفي السياق، يعتبر الناشط السياسي المقيم بالعاصمة البريطانية لندن، أمين الصادق، في تصريحٍ لـ”كيوبوست”، أن حركة رشاد وحركة استقلال منطقة القبائل، ورقتا ضغط بيد أنقرة وباريس، وأوضح أن مؤشرات عودة النفوذ الفرنسي للمشهد الجزائري أربك السياسة الخارجية التركية، وجعلها تلوّح بورقة المعارضة الراديكالية القريبة من الإخوان في وجه السلطة، ظناً منها أنها ورقة ضغط وتوازن تواجه بها اللوبي الفرنسي في الجزائر.

ويواصل الصادق، أن أنقرة تحاول أن تحاكي استخدام الإدارة الفرنسية لحركة “الماك” الانفصالية، كورقة ضغط في وجه السلطة الجزائرية للحفاظ على مصالحها الضخمة، مضيفاً أن الارتباك التركي في التعامل مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط يفسره إقدام أنقرة على غلق العديد من القنوات الإعلامية للمعارضة المصرية الناشطة من اسطنبول، في سعيها لإعادة الدفء للعلاقات الاستراتيجية مع القاهرة، في مواجهة التحديات الاقتصادية في شرق المتوسط، بعد أن أدركت أخيراً أن مصالحها مع الدول، وليس مع التنظيمات المعارضة.
اقرأ أيضا: العثمانيون جعلوا الجزائريين مواطنين أدنى من فئة “الكراغلة”
ولاء المصالح
من جانبه، يرى القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني؛ مراد بياتور، في تصريحٍ لـ”كيوبوست”، أن الجزائر كانت دوماً دولة محل أطماع العديد من القوى العالمية، وهذا راجع إلى الثروات التي تزخر بها، وقال إنه كلما ضعف نظام الحكم ازدادت هذه الأطماع بروزاً؛ بهدف بلوغ امتيازات والحصول على حصص من الثروات، وذلك يكون حتماً مقابل مساندة السلطة، ومساعدتها على البقاء، مشيراً إلى أن المحاولات التركية للعب دور وقلب الموازين لصالحها، كلها تصبُّ في ذات الاتجاه.

ويعتقد الإعلامي المهتم بالشأن السياسي؛ حكيم مسعودي، في تصريحٍ لـ”كيوبوست”، أن النفوذ التركي أصبح بادياً جداً في المشهد الجزائري، من خلال تنظيماتٍ سياسية، وغير سياسية، تحمل غطاء أكاديميات، وكذا عبر شخصياتٍ تدافع عن السياسات والمواقف التركية باندفاعٍ كبير حتى لو كانت لا تتماشى مع المصالح العليا والسياسة الخارجية للجزائر، وتغض النظر بالمقابل، عن بعض التجاوزات التركية بما فيها البروتوكولية مثلما حدث في آخر زيارة لأردوغان إلى الجزائر، عندما تفادتِ الأحزاب “الإسلاموية”، وعدد من الشخصيات وحتى قادة الرأي، الحديثَ عن تعدي الطرف التركي حدود اللباقة في البلد المستضيف.

ويتابع مسعودي، أن هذا الولاء يتعدى القناعة والإيديولوجية إلى المصالح، لا سيما لدى “إخوان البازارات والولائم”، كما يصفونهم في الجزائر، موضحاً أن مسألة العمل الاستخباراتي للقنصليات ليس جديداً، بل تنامي النفوذ التركي عبر هذه التنظيمات هو الأمر الذي يثير الانتباه، وختم أن الجزائر لن تغفل عن هذه الحركية المشبوهة التي تنبعث من تركيا، لكن سيكون الأمر في صمت بالنظر إلى الديبلوماسية الجزائرية التي تنشط دون ضجيج.