الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

أسطورة الجهاديين المعتدلين

كيوبوست- ترجمات

يرى مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن لورينزو فيدينو، في تحليل نُشر في “الفورين بوليسي”، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كشف عن ديناميكية تطورت بهدوء على مدى السنوات الست إلى السبع الماضية: تفاهم متبادل غير مستقر؛ ولكنه واقعي بين واشنطن وجزء من الحركة الجهادية العالمية. لن يجرؤ أي من الجانبَين على التعبير عنه علناً؛ لأنه سيسبب غضباً داخلياً وخارجياً. وكلاهما غير متأكد مما يستلزمه ذلك بالضبط ولا يثق في النيَّات الحقيقية للطرف الآخر.

اقرأ أيضًا:  لماذا نجحت الولايات المتحدة في إعادة إعمار ألمانيا واليابان وفشلت في العراق وأفغانستان؟ (1- 3)

يمكن إرجاع جذور الاتفاق غير المعلن، وفقاً لفيدينو، إلى النصف الثاني من عام 2014، عندما شكَّلت واشنطن تحالفاً دولياً لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. كان السبب المنطقي وراء التدخل الأمريكي واضحاً: مواجهة الدولة الإسلامية التي غزت منطقة بحجم فرنسا بين سوريا والعراق، وحكمتها بوحشية القرون الوسطى، والتي بدأت في قطع رؤوس الغربيين في أفلام فيديو على غرار هوليوود، واجتذاب آلاف المقاتلين الأجانب الغربيين الذين أطلقوا تهديدات ضد بلدانهم الأصلية؛ أملاً في تحقيق الخلافة.

مقاتلون من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا- “فرانس برس”

كانت جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والعدو اللدود للدولة الإسلامية، منخرطة في الوقت نفسه في محاولة للسيطرة على الأراضي؛ لكن باستثناء بعض الضربات المستهدفة، لم تستهدف من نفس الهجوم العسكري بقيادة الولايات المتحدة، الذي أدى إلى ضربات شديدة الإيجاع لتنظيم الدولة الإسلامية. ومن هنا كان الدرس واضحاً: لا تقطع رأس الغربيين، ولا تخطط لشن هجمات في الغرب، وواشنطن سوف تتركك تفعل ذلك.

وهو بالضبط ما احتاج إليه فرع “القاعدة” لتعزيز سيطرته على الأرض. نتيجة لاتباع هذه المقاربة، باتت هيئة تحرير الشام، خليفة “النصرة”، تسيطر الآن بحكم الأمر الواقع على منطقة إدلب في شمال غرب سوريا. وبشكل واضح، كشف زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، علناً، أن زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، في ذلك الوقت، أرسل إليه “أوامر واضحة بعدم استخدام سوريا كنقطة انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة أو أوروبا من أجل عدم تخريب المهمة الحقيقية ضد النظام [الرئيس السوري بشار الأسد]”.

اقرأ أيضًا:  سوريا.. تنسيق عسكري سري بين الجيش التركي وجبهة النصرة في إدلب

يستفيض دكتور لورينزو ويشير إلى أن الدرس السوري ظهر مجدداً مؤخراً في أفغانستان؛ فقد فسَّرت الجماعات الجهادية المرتبطة بـ”القاعدة” ما حدث بأنه اعتراف بسياسة الولايات المتحدة غير المعلنة ولكن الواضحة بشكل متزايد للتسامح بل والتعاون مع الجماعات الجهادية “المعتدلة” التي لا تهاجم الغرب، على الرغم من معاداتها وانتهاكها العلني لحقوق الإنسان.

بينما كان أنصار هيئة تحرير الشام يحتفلون باستيلاء “طالبان” على السلطة بتوزيع الحلويات على السكان المحليين في إدلب بسوريا، أشار معلق مقرب من الجماعة إلى ذلك بـ”انتصار الصبر الذي يجب أن يلهمنا”. وتؤمن هيئة تحرير الشام بنجاح الاستراتيجية التدريجية التي تنطوي على كبح ميلها المتأصل لمهاجمة الولايات المتحدة من أجل الصالح العام المتمثل في تعزيز سلطتها. إن الصفقة التي تسمح لواشنطن بتجنب نزيف الأرواح والمال من خلال تكليف “الجهاديين المعتدلين” بحكم الأماكن التي تبدو غير قابلة للحكم، هي شكل من أشكال السياسة الواقعية التي تحظى بجاذبية.

مجموعة من مناصري “القاعدة” في مدينة معرة النعمان السورية- أرشيف

إن رسالة “القاعدة” إلى الغرب واضحة وتشبه رسالة حليفتها “طالبان”: “نحن نعلم أنكم تريدون الخروج من المنطقة ولم تعودوا راغبين في إنفاق الأموال والأرواح للدفاع عن الأماكن النائية ذات القيمة الاستراتيجية المنخفضة… اسمحوا لنا أن نحكمهم ولن نضايقكم. على العكس من ذلك، سنساعدكم في الواقع على تحييد المجموعة الوحيدة التي تهددكم، الدولة الإسلامية، التي هي أيضاً عدونا اللدود. نعم، سنُدينكم في دعايتنا لدعمكم إسرائيل والأنظمة الأخرى في المنطقة… لكننا أصبحنا فاعلين سياسيين براغماتيين ومستعدين لعقد صفقة تسمح بالخروج من أجزاء كبيرة من المنطقة دون أي عواقب سلبية”.

اقرأ أيضًا: إيرانالمقر الجديد لتنظيم القاعدة

من الواضح أن شروط الصفقة لم يتم التعبير عنها بكلمات واضحة -فالقيام بذلك من شأنه أن يعطي دفعة قوية لدعاة الدولة الإسلامية، الذين يعتبرون “القاعدة” و”طالبان” عملاء للولايات المتحدة وتخلوا عن الطريق الحقيقي للجهاد؛ لكنها واضحة وضوح الشمس لأولئك الذين يريدون الاستماع، ومغرية للكثيرين في الولايات المتحدة؛ حيث الإرهاق من عقدَين من الحرب على الإرهاب والمحاولات الفاشلة لبناء الدولة.

قليلون في واشنطن يجرؤون على التعبير عن ذلك؛ لكن الصفقة التي تسمح للولايات المتحدة بتوفير الأرواح والمال من خلال تكليف “الجهاديين المعتدلين” بحكم المساحات التي يبدو أنها لا يمكن أن تحكمها أية قوة أخرى هي شكل من أشكال السياسة الواقعية.

تعرضت أوروبا مؤخرًا لسلسلة من الهجمات الإرهابية – AFP

لكن فيدينو يحذِّر من أن هناك أسباباً وجيهة لتهدئة الحماسة لهذه الصفقة التي يعتبرها صفقة مع الشيطان. أولاً، لن يعني ذلك نهاية الإرهاب في الغرب. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، نُفذت الغالبية العظمى من الهجمات ذات الدوافع الجهادية في أوروبا وأمريكا الشمالية من قِبل الجهاديين غير المنتسبين أو مؤيدي الدولة الإسلامية. ثانياً، يشعر العديد من شركاء الولايات المتحدة في المنطقة بالإحباط المتزايد بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ومن المحتم أن يبحثوا عن شركاء أمنيين إضافيين، إن لم يكونوا بديلين. إن الانفتاحات الأخيرة تجاه الصين وروسيا من قِبل دول الخليج، التي ظلت على مدى عقود في المعسكر الأمريكي، تعطي أمثلة على هذه الديناميكيات.

اقرأ أيضًا:  كيف يرى الخبراء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

ويضيف دكتور لورينزو أن الأهم من ذلك أن العيب القاتل في هذا الطرح يكمن في الافتراض الأساسي للصفقة، التي تقسم الحركة الجهادية إلى “معتدلين” (هيئة تحرير الشام وطالبان وحتى القاعدة)، وهؤلاء يمكن لواشنطن أن تتعامل معهم، ومتطرفين (الدولة الإسلامية)؛ وهم العدو الحقيقي الوحيد. وهذا نهج مضلل. ويقترح دكتور لورينزو أن هناك تصنيفاً أكثر ملاءمة: الجهادية التدريجية والجهادية التي نفد صبرها؛ فالأولى مستعدة بشكل عملي لتكون مرنة مؤقتاً لتحقيق الأهداف، بينما الثانية أكثر صلابة. الجهاد التدريجي ليس أكثر اعتدالاً؛ ولكنه ببساطة أكثر ذكاءً من الناحية التكتيكية، حيث يتكيف على المدى القصير ليكون في وضع أفضل للقيام بما هو موجود في جينات جميع الجهاديين: زعزعة استقرار المنطقة الأكبر ومهاجمة الغرب. الفرق بين الاثنين ليس في الأهداف النهائية؛ ولكن في الإطار الزمني. لذلك، قبل عقد صفقات تبدو مريحة على المدى القصير مع الشيطان، يتعين على صانعي السياسة الغربيين التفكير في ما يتجاوز الإطار الزمني الحالي.

المصدر: الفورين بوليسي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة