الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية
أستاذ لغة فرنسية يمد جسور الحوار بين السعودية وفرنسا
واصفاً نفسه بـ"العاشق للسعودية" ومشكلاً أنموذجاً للدبلوماسية الشعبية الساعية لخلق جسور الحوار بين الثقافتين

كيوبوست
رغم عائق اللغة والثقافة، تمكَّن أستاذ تعليم اللغة الفرنسية في جامعة لييل (Université Lille)، والمدرب المعتمد في جامعة الملك فيصل في السعودية وليام بويلي (W.J.S. Pouille)، من بناء جسرٍ للحوار بين منطقة الخليج العربي؛ وتحديداً المملكة العربية السعودية، وفرنسا.
بويلي الذي زار السعودية لأول مرة عام 2005؛ ليؤدي فريضة الحج برفقة شقيقه ديفيد، إثر اعتناقهما الإسلام بعد معاناة إنسانية وعاطفية، لمس خلال تلك الرحلة من الشعب السعودي ما افتقده في فرنسا خلال فترة صباه؛ حيث المحبة والمؤاخاة والاهتمام، شاعراً بأنه لم يكن غريباً عنهم؛ بل كان “أخاً لهم وابناً”، وحيث كانت هذه الرحلة هي بمثابة نقطة التحول في حياته، وتعلقه بالمملكة العربية السعودية وشعبها وثقافتها العربية الأصيلة، مشيراً إلى عديدٍ من الفرنسيين الذين انتقلوا إلى منطقة الخليج للعمل في مشروعات واعدة، وعدد لا يستهان به من الخليجيين وصلوا إلى فرنسا للدراسة أو الاستثمار.
محبته للشعب السعودي دفعته لتعلم “العربية”.. وسماع القرآن الكريم شجعه
بويلي تعلم اللغة العربية من خلال استماعه إلى القرآن الكريم؛ إذ تمكن من تحليل الأصوات، وحاول كتابة الحروف، معتبراً اللغة هي مفتاح دخوله إلى المجتمع السعودي الذي أحبه، وعشق اللغة العربية لأجله، منوهاً بالعديد من القصص والأحداث التي جرَت له وأظهرت لطف السعوديين وكرمهم ودماثة خلقهم، حين زار بلدهم مرة للحج، وأخرى للعمرة، حين كانت التأشيرات السياحية للمملكة غير متاحة، وبيَّن أن تلك الأخلاق والشعور بالكم الهائل من محبة السعوديين لزائريهم، دفعاه إلى دراسة اللغة العربية في جامعة ليل بقسم الدراسات العربية عام 2014، رغم صعوبتها، حسب وصفه.
اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي في فرنسا والتوجه نحو الاستثمار في التعليم
تناقض في نظرة الفرنسيين إلى السعودية.. والحل في يد المرأة السعودية!
وخلال حديثه إلى إيمان الحمود، عبر حلقة مميزة من برنامجها “ساعة خليجية”، الذي يبث على إذاعة “مونتي كارلو الدولية”، أشار بويلي إلى ما وصفه بـ”نظرة الفرنسيين إلى السعودية” بأنها بلد متطرف ومتأخر، مبيناً أنه لا يقبل بتلك النظرة ويعمل جاهداً لمحاربتها، من خلال اشتباكه اليومي مع المجتمع الفرنسي، رغم صعوبة التواصل مع أصحاب تلك النظرية.
اقرأ أيضاً: سياسات مكافحة الإرهاب الغربية.. أخطاء وإخفاقات استخباراتية
ويرجع بويلي سبب تلك النظرة إلى نظرتهم للدين، راسماً صورتَين متناقضتَين لدى الفرنسيين عن السعودية؛ الأولى أنها بلد متطرف وملتزم بالدين، والثانية أنها بلد منفتح بشكل كامل ويقيم الحفلات ولا يمثل الدين، مشيراً في ذات الوقت إلى ضرورة الالتفات إلى دور المرأة السعودية، وإعطائها المزيد من المساحة كونها الأقدر على تغيير تلك النظرة والتأثير على الشارع الفرنسي؛ لا سيما أن الفرنسيين يثمنون جداً المرأة المثقفة الجميلة الواثقة والمعتمدة على نفسها، وهو ما يجده الدكتور ويليام بويلي بوضوح في المرأة السعودية، على حد وصفه.
شاهد حلقة لقاء ويليام بويلي مع إيمان الحمود:
حديث بويلي سلَّط الضوء على ظاهرة الإسلاموفوبيا المُتنامية في الغرب، وما عانته وتُعانيه بعض الدول العربية من تيارات التطرُّف التي أعقبتها موجات واسعة من اللجوء العربي إلى الغرب، والأخذ بالاعتبار روح الانفتاح والتسامح والتعايش التي سادت بين العرب والفرنسيين؛ خصوصاً على مدى السنوات الأخيرة، وبشكل رئيس في المجال الثقافي، رغم ما يصفه السيد بويلي من “الغرور” لدى بعض الفرنسيين.

ضرورة خلق جسور بين الثقافتَين لحفظ الأمن في المنطقة المضطربة
بويلي كشف عن أبرز النقاط التي تجمع منطقة الخليج؛ وتحديداً السعودية بفرنسا، وضرورة خلق جسور الحوار بين الثقافتَين، تقوم على مصالح استراتيجية مشتركة، تتمثل في حفظ الأمن في المنطقة المضطربة، وبذل جهود مشتركة لمحاربة الإرهاب، والتقاء وجهات النظر بشأن الأزمات في المنطقة.
العاصمة الفرنسية أصبحت منذ منتصف القرن التاسع عشر، ملتقى أساسياً للمسافرين والمثقفين العرب، واستقر بها مع مرور الزمن وتعدُّد وتعاقب الأحداث السياسية والاقتصادية المختلفة، العديدُ من الكُتاب العرب؛ للعيش بها والنشر باللغة العربية، ولاحقاً باللغة الفرنسية. لذلك، فقد شكَّل التبادل الثقافي فرصة فريدة للاستكشاف لجميع أولئك الذين كانوا يريدون إدراكاً أوسع لمسيرة أوروبا والعالم، والدور الأساسي للعرب فيها.
التبادل الثقافي السعودي الفرنسي.. أكثر من 1400 طالب سعودي يدرسون في فرنسا
القطاع التعليمي في فرنسا هو الآخر يستقطب المزيد من الطلاب السعوديين؛ فثمة أكثر من 1400 طالب سعودي يتابعون دراستهم حالياً في فرنسا، في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي يمول إرسال مئة وثلاثين ألف طالب إلى الخارج. أما في ما يخص التعليم الجامعي، فتضم ثلاث جامعات سعودية أقساماً لتدريس اللغة الفرنسية.
اقرأ أيضاً: برود في العلاقات بين السعودية وفرنسا
داخل السعودية تضطلع ثلاث مدارس بتدريس اللغة الفرنسية؛ وهي مدرسة في الرياض تابعة لوكالة التعليم الفرنسي في الخارج، ومدرستان في جدة والخُبر تابعتان للبعثة العلمانية الفرنسية، وتضم هذه المدارس ما يقارب 3200 تلميذ.
ويُتاح أيضاً تعليم اللغة الفرنسية في مدارس سعودية خاصة في الرياض وجدة؛ فهي تدرِّس المنهاج الدراسي الفرنسي (إجراء امتحانات الشهادة الفرنسية في المدرسة الفرنسية في الرياض أو جدة) أو تعلّم اللغة الفرنسية كلغةٍ أجنبية (شهادة دراسة اللغة الفرنسية “DELF” أو شهادة معمَّقة باللغة الفرنسية “DALF”).
وأنشئ فرع الأليانس فرانسيز في السعودية في أكتوبر 2010؛ من أجل تأطير عمل مراكز تعليم اللغة الفرنسية الثلاثة الموجودة في المملكة؛ في الرياض وجدة والخُبَر.
وصنَّفتِ السلطات السعودية الأليانس فرانسيز مركزاً ثقافياً في عام 2016، ومُذّاك بات بإمكانها تنظيم فعاليات ثقافية مع مراعاة مبدأ عدم الاختلاط بين الجنسَين الذي ما زال معمولاً به في المدارس بالسعودية رغم سياسة الانفتاح التي انتهجتها مؤخراً.

وخلال زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى باريس في أبريل 2018، وقَّع اتفاقاً ثنائياً بشأن إقامة مجمَّعات حضرية مترابطة، ومؤسسات ذات طابع ثقافي وسياحي في محافظة العُلا، وحول موقع الأنباط الأثري في مدائن صالح؛ ليكون مشروعاً ذا رمزية خاصة، لا سيما أن تعزيز هذا الموقع المُدرج في قائمة التراث العالمي لليونسكو، يندرج في إطار “رؤية السعودية 2030”. كما أُنشئت الوكالة الفرنسية لتطوير العلا في يونيو 2019؛ لتعزيز مهارات المنشآت والوكالات التنفيذية الفرنسية، في إطار مشروع تطوير هذه المنطقة.

سبع بعثات أثرية فرنسية تعمل على الأراضي السعودية
وتعمل سبع بعثات أثرية فرنسية على الأراضي السعودية، وتنتشر في جميع المناطق باستثناء نجران (اتّخذت البعثة مقراً لها في شمال غرب البلاد مقابل خليج العقبة) وتدرس المواقع الأكثر رمزيةً في البلاد، على غرار المقابر النبطية في مدائن صالح، ومدينة ثاج الأثرية، وواحة دومة الجندل.
ويطرح الدكتور بويلي موضوع تعزيز ثقافة الحوار بلغة القلب في أدبياتنا الثقافية، بكثرة، وهو موضوع حيوي ويستحق أن ينال حظه من النقاش بين السعوديين والفرنسيين، عبر إرساء قاعدة صحيحة من الحوار الثقافي، سواء بين أصحاب الثقافة المشتركة، أو بينهم وبين الآخرين؛ لذلك يرى ضرورة التأسيس لثقافة الحوار، والإيمان بأهميته، ودوره في مد جسور التعاون، وتمهيد مناخات التعايش والتواصل، والانطلاق من قاعدة أساسية عند المتحاورين؛ أساسها التلاقي، وليس الخلاف أو التشاحن، وهذا يعني أن إدراك الاختلاف في الرأي عند المتحاورين هو من الأسباب القوية لبدء أي حوار هادف، وخلَّاق.
ودعا بويلي، الذي يتصادف عيد ميلاده مع اليوم الوطني للسعودية، السعوديين إلى تعلم اللغة الفرنسية، موضحاً أنه بإمكانه تعليمهم اللغة خلال 3 أشهر فقط.