ترجماتشؤون خليجية
أسباب الأزمة الخليجية: قطر وتمويل الإرهاب في سوريا (2-2)
قطريون نقلوا آلاف الدولارات إلى تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وأحرار الشام

ترجمة كيو بوستس –
“هناك ثمانية إلى اثنتي عشرة شخصية رئيسة في قطر تدفع ملايين الجنيهات للجهاديين”، هذا ما صرح به دبلوماسي غربي لصحيفة “ديلي تلغراف” في 2014، وأضاف: “ليس هناك حتى محاولة لوقف ذلك الدعم”.
ومع ذلك، كان جميع هؤلاء المانحين تقريبًا يدعمون جبهة النصرة، خلال فترة انشقاق النصرة عن تنظيمها الأم، داعش، في 2013.
وفي وسط شبكة ممولي القاعدة في سوريا، المواطن القطري عبد الرحمن النعيمي، المتهم بتمويل الإرهاب من قبل وزارة الخزانة الأمريكية منذ ديسمبر 2013.
في عامي 2003 و2004، كان النعيمي بمثابة مؤيد للتطرف داخل العراق بشكل عام، وسهّل تقديم دعم مالي كبير للقاعدة، وعمل كوسيط بين قادة القاعدة في العراق والجهات المانحة القطرية.
وفي عام 2012، أرسل النعيمي الأموال إلى مختار روبو والشيخ حسن عويس علي، المعتقلين من قبل الحكومية الصومالية بسبب تأسيسهما لفرع القاعدة في الصومال –حركة الشباب المجاهدين. وفي العام نفسه، أرسل النعيمي المال إلى عبد الوهاب الحميقاني الذي يدير جمعية خيرية في اليمن تمول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
في 2013، أمر النعيمي “بنقل ما يقرب من 600.000 دولار إلى القاعدة” عبر ممثل القاعدة في سوريا، محمد بهائية (أبو خالد السوري). وكان أبو خالد آنذاك أحد قادة أحرار الشام، وقام بترشيح صديقه القديم أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، للتوسط من أجل حل النزاع بين النصرة وداعش.
إن علاقات النعيمي مع الحكومة القطرية عديدة ومهمة. كان النعيمي أستاذًا جامعيًا في جامعة قطر حتى عام 2009، على الرغم من اعتقاله بتهم لها علاقة بالتطرف في التسعينات. والنعيمي أيضًا رئيس سابق لرابطة قطر لكرة القدم، وكان عضوًا مؤسسًا في مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، إحدى أكبر الجمعيات الخيرية في الشرق الأوسط، منذ نشأتها في عام 1995. وقد تم ترشيح النعيمي كعضو في الأسرة الحاكمة القطرية، من قبل رئيس مجلس إدارة مؤسسة العيد الخيرية، هاشم العوضي، رجل الأعمال القطري الذي يدير شركة ريتاج للفنادق والضيافة العقارية. وقد اتهمت جمعية العيد الخيرية بدعم الإرهاب في الماضي، وتعتقد المخابرات الألمانية أن جمعية العيد تدعم المتطرفين.
وقد قتل ابن العوضي، محمد بن هاشم العوضي على جبهات القتال في سوريا. تقول اللجنة الرباعية إن محمد العوضي قتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. وكان النعيمي أيضًا مؤسسًا لمنظمة “الكرامة” التي تتخذ من سويسرا مقرًا لها، تحت غطاء حقوق الإنسان والدعوة المدنية.
بعد تحرك الدول الأربع بقيادة السعودية ضد قطر في منتصف عام 2017، قدّم النعيمي دعمه لقطر في رسالتين على تويتر في 4 يونيو: “هذه [الفتنة] يجب وقفها من قبل العقلاء، أسأل الله أن يحمي بلدنا والمؤمنين”. وأضاف النعيمي: “إن التطورات الأخيرة فى منطقتنا اثبتت أن [السعودية] هي التي تحرض الغرب على فرض عقوبات على الدول والأفراد”.
وعلى الرغم من كونه يصنّف كإرهابي من قبل الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، لا يزال النعيمي طليقًا في قطر.
ومن المهم أن نلاحظ أن هناك في قطر أفرادًا يعملون على دعم المجاهدين، بمبادرة شخصية منهم، أو بغطاء من الحكومة. والقاعدة لديها أناس يعملون بفعالية كوكلاء في قطر لنقل الموارد المالية إلى قواعد القاعدة في أفغانستان وباكستان، من خلال مجموعات إيرانية، إلى فروع تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والقاعدة في العراق.
وتشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن النعيمي كان واحدًا من هؤلاء العاملين، و”أشرف لفترة من الوقت على نقل ما يزيد عن مليوني دولار شهريًا للقاعدة في العراق” بعد وقت قصير من مقتل أسامة بن لادن، وأن الأموال جاءت من عز الدين خليل (ياسين السوري)، رئيس شبكة القاعدة في إيران التي تعمل بإذن من الحكومة الإيرانية، وتحت المراقبة الدقيقة للجنرال قاسم السليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
عمل عز الدين خليل بشكل وثيق مع ثلاثة ممولين آخرين من دولة قطر، وواحد في الكويت، وواحد في العراق هو سالم الكواري، الذي أدت مساهماته في تمويل العمليات الإرهابية في الخارج إلى تأمين الافراج عن سجناء من القاعدة. كما قدم الكواري الدعم اللوجستي للمقاتلين الجهاديين من أجل دخول قطر.
في عام 2013 وأثناء انشقاق الحركات الجهادية عن المنظمة الأم، داعش، ساهم تنظيم القاعدة في تغطية هذه الفجوة المالية جزئيًا، من خلال أبو خالد السوري، وهو قائد في جماعة أحرار الشام المتشددة، وجزئيًا تم تقديم الأموال من خلال (أبو فرج المصري)، أحد أهم نواب الظواهري، الذي نقل الأموال إلى جبهة النصرة، عبر سلامة مبروك، حيث تم نقلها من قبل القاعدة “المركزية” في باكستان إلى قطر ثم إلى سوريا.
في أبريل 2014، ألقى وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين، كلمة أعرب فيها عن أسفه للدول التي تقدم “دعمًا ماليًا للإرهابيين”، وقدّم قطر كمثال على ذلك. في حين نظر البعض إلى قطر باعتبارها شريكًا فاعلًا في مكافحة الإرهاب. لكن، كانت جميع الدلائل تشير إلى أنها “تدعم الجماعات المتطرفة الناشطة في سوريا”. وأضاف كوهين: “نلاحظ أنه حتى عندما لم تمول قطر المتطرفين كسياسة للدولة، فقد أصبحت بيئة متسامحة لتمويل الإرهاب”.
الخيوط العلنية مع أحرار الشام
الحالة البارزة في الدعم القطري كانت حركة أحرار الشام التي يمكن وصفها بأنها مجموعة حكومية قطرية بالتعاون مع تركيا، التي تدعمها بشكل صريح منذ فترة طويلة، ولكنها تتلقى أيضًا أموالًا من العديد من المانحين المقيمين في قطر.
قدّمت أنقرة لأحرار الشام الدعم العسكري: الأسلحة، والخدمات اللوجستية، والاستخبارات..الخ. وقد وفرت الدوحة للأحرار أموالًا وافية وترويجًا عبر وسائل الإعلام. وبفعل تدخل تركيا المباشر في شمال سوريا، فقد تراجع تأثير قطر على الحركة.
أحبط أحرار الشام “الأيقونية الثورية”، وهي العلامة التجارية للجيش السوري الحر، وعموم حركات المعارضة المسلحة السورية. ومع حلول عام 2015 حاولت أحرار الشام تقديم نفسها كجزء من الحركات المعتدلة في سوريا – مقارنة بكل من الجهاديين الشيعة الذين يدعمون نظام الأسد والمتطرفين مثل داعش.
وبعد أيام من نشر أحرار الشام مقالات في الصحف الدولية في صيف عام 2015، وتقديم نفسها للجمهور الغربي كقوة عربية سنية شرعية يمكن أن تشارك في مواجهة كل أشكال التطرف في سوريا، أصدرت أحرار الشام بيانًا يشجب ويقدم العزاء في “استشهاد” الملا عمر، واستشهدت الحركة بحركة طالبان باعتبارها نموذجًا لكيفية بناء نظام حكم إسلامي.
لقد كانت أحرار الشام “أكبر عامل تمكين لتوسيع نفوذ جبهة النصرة المستمر في شمال سوريا”. ومهما كانت طبيعة علاقة أحرار الشام بشبكة القاعدة، فإن جماعة أحرار الشام لعبت الدور الرئيسي في إعطاء القاعدة وذريتها بوابة يمكن من خلالها التسلل إلى الشمال السوري.
هناك تدفق للموارد بين أحرار الشام وجبهة النصرة، مما يسمح للنصرة بوصول الأموال إليها، مع تجنب الاحتكاكات المباشرة مع الحكومات التي تعتبرها “كافرة”.
وقد وفرت أحرار الشام الدعم الكبير لجبهة النصرة -كما قال أبو خالد السوري- عندما انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2013. أما مقاتلو النصرة فقد قالوا إن الجماعة اعتمدت على أسلحة من أحرار الشام في بعض معاركها.
النصرة والقاعدة مستفيدتان
من الصعب قياس مدى العلاقة بين الدوحة والنصرة من خلال أحرار الشام فقط؛ إذ قال مسؤول سابق في “النصرة” إنه بالإضافة إلى التمويل واللوجستيات غير المباشرة، هنالك “التدريب” في مسائل الحوكمة وإدارة الصور التي أعطتها قطر لحلفائها أحرار الشام، وتم نقلها بعد ذلك إلى النصرة. اعتبر المسؤول في النصرة أن ذلك كان “لا يقدر بثمن” في مساعدة المنظمة من أجل ترسيخ وجودها.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن متمردي جيش الفتح -التحالف الذي شكّل لتنسيق الاستيلاء على مدينة إدلب في مارس 2015- تلقى الدعم القطري. ولاحتواء ذلك التحالف صراحة على النصرة، اعترف رئيس وزراء قطر بإمكانية أن تكون لدى حكومته “علاقة” مع النصرة، لكنهم أصروا على أن أي ارتباطات بالنصرة قد قطعت بمجرد فهم طبيعة هذه الجماعة.
ومن الواضح أن قطر كانت على اتصال مباشر مع النصرة، وإهمال الرهائن هو أوضح الأدلة. لكن برنامج “النصرة” لإعادة تسمية العلامة التجارية الخاصة بها، يشجع قطر على تقديم وعود بالمساعدات مقابل الانفصال عن القاعدة. يبدو أن شيئًا ما قد دخل حيز التنفيذ، حتى لو كان الإعلان الأولي عن الانشقاق عن القاعدة إعلاميًا فقط.
وكانت جبهة النصرة التي لم تكن مرتبطة بعلاقات مع القاعدة، رافعة للقطريين في سوريا. وقال أعضاء في جبهة النصرة إن كبار مسؤولي جبهة النصرة اجتمعوا مباشرة في تركيا وفي الدوحة، مع رؤساء المخابرات القطرية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حالة غريبة من عبد العزيز بن خليفة العطية -عضو سابق في لجنة الدولة للألعاب الأولمبية في قطر وابن عم رئيس الوزراء القطري السابق الذي يشرف على نظام تمويل مكافحة الإرهاب- الذي يُتّهم، من بين أمور أخرى، بتسليم 000 20 دولار شخصيًا إلى عبد المالك محمد يوسف عثمان عبد السلام (عمر القطري) في لبنان.
وعمر القطري، هو مواطن أردني، نقل الرجال والمال إلى النصرة عام 2011. سلم عمر آلاف الدولارات إلى محسن الفضلي، أحد أهم القادة الكبار في القاعدة وكان مقرهم آنذاك في إيران، وبعد ذلك أصبحوا يعرفون باسم “مجموعة خراسان”. في وقت لاحق، تعاون عمر القطري مع المواطن القطري عيسى إبراهيم حاجي محمد البكر، وهو أيضًا إرهابي عالمي محدد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لدوره في جمع التبرعات الجهادية لتنظيم القاعدة وطالبان.
وللتخطيط لضربات إرهابية ضد القواعد الأمريكية والمواطنين في قطر، كان البكر، في أوائل عام 2000، على مقربة من مصطفى حاجي محمد خان (حسن غول)، وهو أول قناة ناجحة بين تنظيم القاعدة العالمي وداعش، والتي كانت آنذاك تعرف باسم تنظيم القاعدة في العراق. كان خان يعمل في تلقي التعليمات من نشوان عبد الباقي (عبد الهادي العراقي). لاحقًا، اعتقل كل من خان وعبد الباقي. عندما اعتقل خان في عام 2004 كان في حوزته رسالة مؤسس الدولة الإسلامية أبو مصعب الزرقاوي، ووضع فيها خطته لإشعال العراق. وأدت المعلومات المستقاة من خان بالولايات المتحدة إلى شخص كويتي، ومن ثم إلى أسامة بن لادن في أبوت آباد.
وكان خان يحمل جواز سفر مزورًا حصل عليه من قِبل عبد اللطيف الكواري، للسفر إلى قطر. وقد أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن الكواري كان يلعب دور الوسيط في صفقات الرهائن عام 2015. كان الكعبي “مُنظمًا للتبرعات لجبهة النصرة في قطر، ولكن هذا ليست أهم شيء”، على حد قول أحد عناصر النصرة، مضيفًا “إن مبالغ الأموال التي تم دفعها من أجل الإفراج عن الرهائن، جاءت من الحكومة القطرية، لكن سعد استخدم حملات خيرية كواجهة لإخفاء التمويل الحكومي”.
وكان الكواري والبكر قد سافرا مع خان إلى قطر أوائل عام 2012. وقال الكواري: “يسرت السفر الدولي للساعي الذي كان يحمل عشرات الآلاف من الدولارات المخصصة للقاعدة “. وأشارت ملاحظات الخزانة الأمريكية في وقت لاحق من ذلك العام إلى أنه “عمل مع داعمي القاعدة لتنسيق تقديم التمويل من الممولين القطريين بهدف دعم القاعدة وتسليم إيصالات تؤكد أن تنظيم القاعدة حصل على تمويل من المانحين الأجانب المتطرفين في قطر”.
يقبع عبد السلام (عمر القطري) الآن في سجن لبناني، بتهمة شراء ونقل الأسلحة والمعدات إلى سوريا بمساعدة من منظمة القاعدة التي تتخذ من سوريا مقرًا لها”.
وفي عام 2012، قام عمر القطري، كجزء من دوره، بالحصول على أموال من أجل كبار قادة تنظيم القاعدة في وزيرستان. وقد حصل القادة على الأموال من خليفة محمد تركي السبيعي، المواطن القطري المدرج في قائمة الجزاءات التي فرضتها الأمم المتحدة. وكانت هذه القائمة قد تم التصديق عليها من الولايات المتحدة بسبب تقديمها الدعم المالي لتنظيم القاعدة في باكستان.
ومع ذلك، يبقى السبيعي حرًا في قطر. وعلى الرغم من أنه ممنوع من السفر، فقد قام بتجديد جواز سفره في عام 2017.
لقراءة الجزء الأول من التقرير: أسباب الأزمة الخليجية: دور قطر في تعزيز التطرّف (1-2)