الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربية

أزمة وقود وأسباب “ثقافية”.. اليمن يفقد أكثر من 6 ملايين شجرة

يُعد الطبخ بالحطب أو الفحم تقليداً ثقافياً وجزءاً من هوية بعض المناطق. في أجزاء من حضرموت، شرق اليمن، على سبيل المثال؛ يُفضَّل إعداد الشاي باستخدام الفحم النباتي وليس غاز الطبخ أو الكهرباء، ويُعد هذا جزءاً من هوية المجتمع وثقافته.

كيوبوست – منير بن وبر

تتفاقم أزمة غاز الطبخ في اليمن، من بين أزمات كثيرة يعيشها المواطن اليمني. ولا عجب في ذلك؛ فالناس في رمضان تكثر من تنويع مائدتها الرمضانية، كما يكون تأثير المشقة فيه أكبر. وفي حين أن توافر غاز الطبخ يمثل مشكلة منذ ما قبل الصراع؛ خصوصاً في الأرياف، إلا أن الأزمة تفاقمت أضعافاً منذ اندلاع النزاع في البلاد.

لسنوات عديدة، تلجأ نسبة كبيرة من سكان أرياف اليمن إلى استخدام خشب الأشجار كوقود للطبخ بدلاً عن غاز الطبخ أو إلى جانبه؛ وذلك نظراً لصعوبة توزيع أسطوانات الغاز وتكاليفها أو شحِّها، أو ببساطة اعتياد السكان على الحطب. يتم استخدام الحطب أيضاً في بعض المطاعم والمقاهي في المدن؛ نظراً لانخفاض تكلفته.

اقرأ أيضاً: اليمن في قلب أزمة غذاء عالمية.. هل من سبيل للنجاة؟

لكن الصراع في اليمن دفع بالمزيد من سكان الريف والمدن إلى الاعتماد بشكل متزايد على الحطب؛ إذ تسببت أزمات الوقود والغاز المنزلي في إجبار الناس على الانتظار لأشهر للحصول على أسطوانة غاز. وحتى عند توزيعها فإن الناس يضطرون إلى الوقوف والانتظار ساعات، وحتى أيام؛ للحصول على دورهم. كل ذلك دفع الأُسر وأصحاب المطاعم إلى الاعتماد أكثر على الحطب والفحم النباتي، والذي أدى في الوقت نفسه إلى تآكل الغطاء النباتي في البلاد وتعرضها إلى مخاطر بيئية لا تحمد عقباها على المدى الطويل.

اختفاء ستة ملايين شجرة

في حديث له مع وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس”، قال الخبير البيئي أنور الشاذلي، إنه قد تم قطع أكثر من ستة ملايين شجرة في اليمن منذ بداية الحرب، لاستخدامها كوقود. وأشار إلى أن صنعاء إحدى أكثر المحافظات تأثراً بتلك الظاهرة؛ حيث يُستخدم الحطب على نطاق واسع في المخابز والمطاعم. وعلى الرغم من ضخامة الرقم؛ فإنه يبقى تقديرياً، وربما يكون عدد الأشجار المقطوعة أكثر بكثير.

وتشير التقديرات والإحصاءات التي تعود إلى عامَي 2013 و2014 إلى أن 33.2 في المئة من سكان اليمن عموماً محرومون من غاز الطبخ؛ خصوصاً في الريف، حيث ترتفع النسبة إلى 41.68 في المئة؛ وذلك وفقاً لجداول الفقر متعدد الأبعاد الصادرة عن مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية. لم يتم إجراء أي تحديثات على الإحصاءات منذ اندلاع الحرب؛ لكن الأكيد أن الأزمة زادت حدة.

طابور أسطوانات الغاز المنزلي في اليمن – صحيفة الأيام

يعد الخشب والفحم من مصادر الوقود الشائعة للطهي في العديد من المجتمعات حول العالم لأسباب عدة؛ منها توافر هذه المواد بسهولة ورخص ثمنها مقارنةً بالغاز أو الكهرباء. كما يجعل الحطب والفحم عملية الطهي أسرع، فضلاً عن كونه مناسباً لطهي الطعام في درجات حرارة عالية جداً؛ مما يجعله خياراً أفضل لأصحاب المطاعم وبعض أنواع الطعام. 

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الطبخ بالحطب أو الفحم -ببساطة- تقليداً ثقافياً وجزءاً من هوية بعض المجتمعات. ففي أجزاء من حضرموت، شرق اليمن، مثلاً، يُفضل إعداد الشاي باستخدام الفحم النباتي وليس غاز الطبخ أو الكهرباء، ويُعد هذا جزءاً من هوية المجتمع وثقافته. 

لكن الاعتماد المفرط أو غير المنظم على حطب الوقود يُسهم في تقليص الغطاء النباتي الذي يمكن أن يتسبب في أضرار بالغة على المدى الطويل، كما أن للدخان الناتج عن عملية الحرق ذاتها أثناء الطبخ آثار ضارة على صحة الأفراد؛ مما يجعلها مشكلة عالمية تحتاج إلى العلاج، خصوصاً في الدول النامية والأشد فقراً. 

أضرار طويلة المدى وحلول أساسية

تشير التقديرات إلى أنه يتم قطع أو حرق نحو 15 مليار شجرة عالمياً في كل عام، بينما لا يُزرع مكانها سوى 5 مليارات شجرة؛ مما يعني أن الكوكب يفقد ما يقرب من 10 مليارات شجرة سنوياً. تُعد إفريقيا وجنوب شرق آسيا أحد أكثر مناطق العالم استخداماً للوقود الصلب -كالفحم النباتي- في الطبخ على مستوى العالم. ووفقاً للأمم المتحدة، لا يزال أكثر من مليارَي شخص حول العالم يعتمدون على الوقود الخشبي لتلبية احتياجاتهم الأولية من الطاقة؛ مثل الطهي والتدفئة. 

اقرأ أيضاً : أزمة في توفر غاز الطهي في اليمن، فمن المسبب؟

لكن استخدام الخشب كوقود ينطوي على العديد من الأضرار؛ حيث تؤدي إزالة الغابات إلى تقليل امتصاص ثاني أكسيد الكروبون، ما يساهم في التغير المناخي، كما تؤدي إزالة الأشجار إلى تآكل التربة والفيضانات. من جانب آخر، يتسبب دخان الحطب المحترق والفحم النباتي في أضراٍر صحية مثل التهابات الجهاز التنفسي وأمراض القلب والسرطان وتهيج العين، وغالباً ما تكون النساء أكثر عرضة لتلك الأضرار الصحية. كما تساهم تلك الانبعاثات الضارة عمومًا في تلوث الهواء وتغير المناخ.

تشمل الأضرار طويلة المدى لقطع الأشجار المفرط، إحداث حالات جفاف طويلة المدى؛ بل وحتى فيضانات، وذلك بسبب الدور الحيوي للأشجار في ما يُسمى بالدورة المائية. ويعاني اليمن بالفعل أزمة جفاف حادة منذ عقود؛ حيث تم تسجيل عام 2022 على سبيل المثال كأحد أكثر الأعوام جفافاً في البلاد خلال الأعوام الأربعين الماضية. كما تشير الدلائل الحديثة إلى زيادة الأحداث المناخية المتطرفة والمفاجئة في البلاد؛ مثل السيول والفيضانات. 

رجل يجمع بعض الحاجيات التي جرفتها السيول – صنعاء (اليمن) – AFP

وقد كان لتلك التغيرات المناخية أضرار بالغة على مختلف نواحي الحياة، من تدمير البنية التحتية إلى انتشار الأمراض، وصولاً إلى خسارة فرص العمل. على سبيل المثال؛ أدت تغيرات المناخ في اليمن إلى إحداث أضرار بالغة على تربية النحل وإنتاج العسل، وهي سوق يُقدر حجمها بنصف مليار دولار سنوياً. 

لا شك أن تعزيز قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية؛ مثل غاز الطهي والوقود، هو أول الحلول التي يمكن من خلالها تقليل اعتماد الناس على الخشب كوقود. تعاني الحكومة اليمنية عجزاً تاماً عن تقديم الخدمات الأساسية والقيام بوظائفها، ومن ذلك التوزيع الكافي والعادل للخدمات الأساسية. ويتطلب تعزيز قدرة الدولة على القيام بوظيفتها، في ما يتعلق بتقديم الخدمات، تغييرات هيكلية أساسية في نظام الحكم وترتيبات الإدارة العامة، ناهيك بالخروج من مستنقع الصراع.

يُعد زرع الأشجار كبديل عن تلك التي يتم قطعها حلاً أساسياً كذلك. تُسهم زراعة الأشجار في تعويض الفاقد منها بسبب التحطيب، وإتاحة المزيد منها للأجيال القادمة. علاوةً على ذلك، تمنحنا زراعة الأشجار العديد من الفوائد الأخرى؛ مثل تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة، والتقليل من آثار تغير المناخ.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة