الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
أزمة جديدة في ليبيا بعد سحب الثقة من الحكومة
المشهد السياسي الليبي بات مفتوحاً على عدة سيناريوهات.. أبرزها إما العودة إلى بنود الاتفاق السياسي في جنيف وإما العودة إلى العمل بحكومتَين (واحدة في الشرق وأخرى في الغرب)

كيوبوست- فاطمة بدري
مثَّل إعلان البرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح، الثلاثاء 21 من سبتمبر، سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بالأغلبية، منعرجاً خطيراً في سياق تطورات المسار السياسي الليبي؛ لا سيما مسار العملية الانتخابية المرتب إجراؤها في ديسمبر المقبل. وأججت الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب الليبي الخلافات القائمة منذ فترة بينه وبين مؤسسة رئاسة الحكومة التي دخلت مرحلة حرب التصريحات والتهديد؛ الأمر الذي جدَّد المخاوف بشأن عودة المشهد السياسي في البلاد إلى مربع الانقسام وحتى الاقتتال.
اقرأ أيضًا: هل تلعب دول الجوار دوراً في ملف “إخراج” القوات الأجنبية من ليبيا؟
وصوَّت مجلس النواب الليبي، الثلاثاء، بالأغلبية على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بعد ستة أشهر من منحها الثقة لممارسة مهامها، وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال، عملاً بما تقتضيه المادة 194 من اللائحة الداخلية التي تنص على أنه “إذا قرر البرلمان سحب الثقة بأغلبية أعضائه، عُدَّت مستقيلة وتستمر في تسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة”.
وأعلن المتحدث باسم مجلس النواب أن 89 نائباً من أصل 113 نائباً حاضرين في مدينة طبرق في الشرق، صوَّتوا على سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء المؤقت عبدالحميد الدبيبة.

وقوبلت هذه الخطوة بردود فعل عديدة؛ كان أبرزها رد رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، الذي تعهد بعد ساعات قليلة من إعلان المجلس سحب ثقته من حكومته، بإسقاط البرلمان الليبي، ودعا الليبيين من المدن كافة، إلى التظاهر، الجمعة المقبلة؛ رفضاً لقرار سحب الثقة من حكومته.
وقال الدبيبة أمام بعض الحشود التي تمت دعوتها للتظاهر: “إن البرلمان سيسقط ولن يكون ممثلاً لليبيين بهذه الصورة، وسنصل إلى الانتخابات، ونعدكم بأن تكون حرة ونزيهة، وميعادنا الجمعة؛ للتعبير عن الليبيين من طرابلس وطبرق والكفرة وسبها”.
اقرأ أيضًا: لماذا يسعى إخوان ليبيا بشكل مستمر إلى عرقلة الانتخابات المقبلة؟
وتلقف رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، تصريحات الدبيبة، ليرد عليها، مساء الثلاثاء، بوصفه دعوة المواطنين إلى التظاهر بـ”الخطاب التحريضي”، وأضاف لوسائل إعلامية محلية أن “الذي أعطى الثقة هو الذي يسحبها”.
كما اتهم صالح الحكومة بعدم الالتزام بالمهام التي أوكلت إليها، والمبالغة في الإنفاق. وقال في هذا السياق: “إن الحكومة قد حادت عن مهامها ونفذت عقوداً طويلة الأجل. ما وصل إلينا أنها أنفقت 84 ملياراً في فترة وجيزة خلال 6 أشهر”.
وتثير حرب التصريحات التي انطلقت بين رأسَي مؤسستَي البرلمان والحكومة المخاوف من تطور الخلافات؛ خصوصاً في حال توجه كل طرف لاستدعاء مواطنيه للتظاهر رفضاً للآخر في شرق البلاد وغربها، وما قد يعنيه ذلك من رجوع إلى مربع الأزمة الأول.

وتجدر الإشارة إلى أن خطوة سحب الثقة جاءت بعد خلافات لم تتوقف بين الحكومة والبرلمان، بدأت بامتناع مجلس النواب عن المصادقة على مقترح الميزانية المقدم من الحكومة لأكثر من مرة، مقابل اتهامات الدبيبة المتكررة للمجلس بـأنه يتعمد عرقلة الحكومة دون أسباب وجيهة، إلى جانب مثول الأخير منذ أسبوع للمساءلة أمام مجلس النواب؛ ولكن هذه الصراعات أخذت منحى جديداً منذ بدء الحديث جدياً عن القوانين التي ستنظم العملية الانتخابية القادمة؛ إذ يؤيد مجلس النواب فكرة انتخاب الرئيس المقبل عبر الاقتراع الشعبي المباشر، وأقر قانوناً لهذا الغرض في التاسع من سبتمبر الجاري، وُصِف من قِبل رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري، بأنه قد أُعِدّ على مقاس رجل المشير خليفة حفتر، ولم يُعرض للتصويت في جلسة رسمية. في حين ترغب الأطراف الموالية لتركيا أو القريبة منها وميليشيات طرابلس والغرب الليبي عموماً في أن يتم انتخاب الرئيس من جانب البرلمان.
اقرأ أيضًا: لماذا استفزت تصريحات المنقوش حول المرتزقة إسلاميي ليبيا؟
كما عمَّق قرار مجلس النواب الليبي تشكيل لجنة للتحقيق في الاتفاقيات والتكليفات والقرارات التي اتخذتها حكومة الدبيبة، الخلافات بين الجانبين، والتي انتهت إلى سحب الثقة من الحكومة، ومن المرجح أن تعود بالبلاد إلى منزلق الصراعات والانقسامات والاقتتال، وتنسف المسار السياسي الذي تم وضعه برعاية أممية لينهي سنوات الحرب والنزاع في ليبيا.

المحلل السياسي الليبي عبيد أحمد الرقيق، اعتبر أن سحب الثقة من حكومة الدبيبة إجراء قانوني؛ نظراً لأن مجلس النواب هو الجهة التي منحت الثقة لهذه الحكومة، ما يعني أنها مخولة أيضاً بسحبها؛ لكنه حذر من تأثيرات هذه الخطوة على المشهد السياسي الليبي.
وقال لـ”كيوبوست”: “من المؤكد أن عملية سحب الثقة من الحكومة سيكون لها ارتداداتها على الشأن الليبي برمته؛ فالانتخابات القادمة، ورغم أن مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات ومجلس الدولة هي الجهات المعنية بتنظيمها؛ فإنني أستطيع الجزم بأنه سيتم تأجيلها لعدة اعتبارات، أبرزها عدم التوافق على قاعدة دستورية موحدة حتى الآن بين مجلس الدولة والبرلمان؛ خصوصاً الانتخابات الرئاسية، إذ أعتقد أنها ستُأجَّل لمدة سنة أخرى على الأقل، في حين يبدو أن هناك فرصة مواتية لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد”.
اقرأ أيضًا: اللواء خالد المحجوب: تركيا تتحجج بالاتفاقات الموقعة لتحقيق المكاسب قبل خروجها من ليبيا
وأضاف: “المشهد السياسي الليبي بات مفتوحاً على عدة سيناريوهات، لكنني أرجح خيارَين سيتم تفعيل أحدهما حتماً؛ الأول مفاده العودة إلى بنود الاتفاق السياسي في جنيف، والذي ينص على أنه في حال شغور منصب رئيس الحكومة أو استقالته أن يتولَّى فريق الحوار الـ75 إعادة تسمية رئيس الحكومة وفقاً للآلية التي اتبعت في اختيار هذه الحكومة، وذلك بدعوة من بعثة الأمم المتحدة. والثاني هو تمسك حكومة الدبيبة برفض قرار البرلمان وانقلابها عليه، وتنقلب بدعم من مجلس الدولة؛ وبالتالي ستواصل نشاطها كحكومة في طرابلس، في حين سيذهب مجلس النواب لتعيين حكومة جديدة سيكون مقرها سرت؛ بمعنى العودة إلى دائرة الصراع بين حكومتَين في الشرق والغرب، كما كان الوضع قبل تعيين حكومة الدبيبة؛ وهذا يعني نسف المسار السياسي الراهن”.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها من سحب مجلس النواب الليبي الثقة من حكومة الدبيبة.
وقالت البعثة، في بيان صحفي، إن حكومة الوحدة الوطنية “شرعية حتى استبدال أخرى بها بعد الانتخابات، ويظل تركيزها الأساسي على السير بالبلاد نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية في 24 ديسمبر المقبل، وتقديم الخدمات الضرورية للشعب”.
اقرأ أيضاً: الاختراق التركي المقلق في ليبيا
كما دعت “مجلس النواب وجميع المؤسسات والجهات السياسية الفاعلة ذات الصلة، إلى التركيز على استكمال إعداد الإطار الدستوري والتشريعي لانتخابات 24 ديسمبر، والامتناع عن أي إجراء يمكن أن يقوِّض العملية الانتخابية ووحدة البلاد وأمنها واستقرارها”.
وكانت لجنة الحوار الوطني الليبية، المكونة من 75 شخصاً، برعاية الأمم المتحدة، انتخبت، في 5 فبراير، مجلساً رئيسياً جديداً برئاسة محمد المنفي، والدبيبة رئيساً للحكومة؛ هدفهم الرئيسي هو تهيئة البلاد لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل. وفي 10 مارس، منح البرلمان حكومة الدبيبة الثقة بأغلبية 132 عضواً.