الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

 أزمة تونس والمغرب تتطور.. هل من دور للجزائر؟

المغرب يستنكر وقوف الجزائر وراء استقبال تونس زعيم جبهة البوليساريو.. والتونسيون لا يرون حرجاً في الخطوة

كيوبوست

ما زالت أصداء الأزمة الدبلوماسية الكبيرة بين المغرب وتونس تتردد في الأروقة بعد استقبال الرئيس قيس سعيد زعيمَ جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، لدى حضوره القمة الإفريقية- اليابانية “تيكاد 8”.

وتصاعدت الأزمة بين البلدَين وسط تقديرات؛ خصوصاً من الجانب المغربي، بأن الخطوة التونسية قد تمت بدفع من الجزائر، وأنها ستلقي بظلال وخيمة على مستقبل اتحاد المغرب العربي الذي جعلته العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب منذ سنوات طويلة يراوح مكانه دون تحقيق أي تطورات تُذكر.

اقرأ أيضاً: هل تخلَّت تونس عن حيادها في قضية الصحراء؟

ويعد الرئيس التونسي قيس سعيد، أول رئيس تونسي يستقبل زعيماً لحركة البوليساريو بشكل رسمي، وسط توقعات بأن تكون هناك تبعات وخيمة على أكثر من صعيد؛ لا سيما في ظل ذهاب بعض الآراء للقول إن الجزائر تقف وراء استضافة زعيم البوليساريو، وأنها تدفع تونس لكسر حيادها في قضية الصحراء الغربية، مستفيدةً من أزمتها الاقتصادية وحاجتها إلى الدعم.

المغرب يرى دوراً جزائرياً في استضافة زعيم البوليساريو- (صورة وكالات)

ورغم وجاهة هذه القراءة؛ فإن هناك جملة من المعطيات والأحداث التي لا تلغي تأثير الجزائر ولكن لأسباب وأشكال أخرى، وهو أن الأزمة الراهنة مرتبطة بشكل مباشر بالصراع المغربي- الجزائري؛ ذلك أن المملكة المغربية قد عززت سياستها الدبلوماسية والاقتصادية في إفريقيا في حين تخلفت الجزائر. واليوم، تحاول الجزائر تدارك موقفها مستفيدةً من ثروتها الغازية التي تضاعفت أهميتها بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، وهي تسعى لتعزيز موقعها في المنطقة وفي إفريقيا.

اقرأ أيضاً: هل وصلت العلاقات الجزائرية- المغربية إلى نقطة اللا عودة؟

وهذه الخطوة الجزائرية تقلق المغرب الذي لا يريد أن يتراجع دوره وتأثيره في إفريقيا؛ خصوصاً أمام الجارة الخصم. ولهذا أثار استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد، زعيمَ البوليساريو، حفيظة المغرب وأغضبه واعتبر مباشرةً أن ذلك يتنزل في سياق معركته مع الجزائر؛ لا سيما أن الأحداث الأخيرة أثبتت حدوث تقارب كبير بيت تونس والجزائر في حين لم تشهد العلاقات المغربية- التونسية أي تطورات تُذكر.

شريفة لموير

ولعل هذا ما دفع المغرب، سلطةً وإعلاماً، لتبني خطاب مفاده أن تونس انحازت للجزائر، وأن ما جرى تقف وراءه الأخيرة، وهو ما أكدته المحللة السياسية المغربية شريفة لموير، في تصريحها لـ”كيوبوست”، الذي قالت فيه: “لا يمكن فصل موقف تونس عن التحرك الجزائري الذي يسعى لخلق توازنات إقليمية ضد المغرب؛ لا سيما بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون، وسلسلة من الأحداث المترابطة التي تؤكد أن الجزائر تمسك بخيوطها بهدف التشويش على كل ما حققته المملكة المغربية خلال السنوات الماضية في ملف الصحراء المغربية”.

ويولي المغرب أهمية كبيرة لملف الصحراء الغربية؛ حتى إنه جعله المحدد الأبرز للصداقة مع بقية الدول؛ إذ أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس، مؤخراً، أن ملف الصحراء “هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم؛ وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، وأن “الموقف الثابت للولايات المتحدة الأمريكية شكَّل حافزاً حقيقياً لا يتغير بتغير الإدارات ولا يتأثر بالظرفيات”.

“مبالغة مغربية”

في المقابل، اتجه الموقف في تونس إلى ترجيح أن تونس لم تخرج عن الحياد الذي دأبت عليه، وأن المغرب قد بالغ في تقدير ردة فعله، وأنه قد قيَّم ما جرى من منظار صراعه التاريخي الطويل مع الجزائر وأسقطه على الحادثة رغم إقرار الكثيرين أن الرئيس سعيد قد أساء التقدير عندما توجه شخصياً لاستقبال زعيم البوليساريو.

اقرأ أيضاً: مركز أبحاث أمريكي يتوقع أزمات حادة في تونس والجزائر والمغرب في 2019

وقد برر التونسيون موقفهم بكون حضور وفد البوليساريو في القمة لم يكن استثناء تونسياً؛ بل سبق وجودهم في القمم السابقة اليابانية التي كان آخرها قمة “تيكاد 7” في أغسطس 2019 التي انعقدت في اليابان؛ بمعنى أن طوكيو كدولة مستضيفة سبق لها أن وجهت دعوة مباشرة واستضافت الزعيم الصحراوي إبراهيم غالي، رغم الاحتجاج المغربي الرسمي، آنذاك، وقبل ذلك أيضاً حضر الطرفان في مؤتمر وزراء “تيكاد 6” في الموزمبيق 2017. وحصل الشيء ذاته أيضاً في قمم أخرى؛ آخرها ربما القمة الأوروبية- الإفريقية الخامسة في بروكسيل في فبراير الماضي؛ والتي لم يقاطعها المغرب رغم احتجاجه رسمياً.

العاهل المغربي يضع ملف الصحراء كمحدد للعلاقات مع الدول- (صورة وكالات)

يقول السياسي التونسي مصطفى بن أحمد، لـ”كيوبوست”، تعليقاً على الأزمة الراهنة: “إن استقبال الرئيس قيس سعيد أمينَ عام جبهة البوليساريو قد يحمل بعض الرسائل؛ لكنه لا يؤشر إلى تحول جذري في الموقف التونسي من قضية الصحراء، حتى إنه لم يذكر ضيفه بصفته رئيسَ الجمهورية الصحراوية، والموقف عموماً لم يكن يستحق كل ذلك التصعيد من الجانب المغربي؛ لأنه مهما كانت الظروف فمن صالح المغرب والجزائر في أن تبقى تونس في الوسط لتكون الخيط الرابط بينهما عند الحاجة ولا ينفرط العقد المغاربي بالكامل. وما كان ينبغي على الطرفَين اللجوء سريعاً إلى الدبلوماسية الانفعالية ودعوة السفراء وإثارة الرأي العام بالبلدَين ضد بعضهما؛ مما فجَّر ذلك المخزون الشوفيني في وسائل إعلام البلدَين وحملات الشتائم والتشهير التي أعادت إلى الأذهان المعارك الإذاعية بين دول عربية كلما حدث خلاف بينها”.

مصطفى بن أحمد

وأضاف أن “الأسلوب الذي وقع اعتماده من طرف دولتَين كانت سياستهما تتسم بالهدوء الدبلوماسي والبراغماتية، يكشف عن التراجع الرهيب لمفاهيم التضامن والتعاون العربي وعودة التقوقع في الانتماء الوطني الضيق وانهيار كل التجمعات الإقليمية العربية تقريباً، وسيغرق مشروع الاتحاد المغاربي أكثر في رمال نزاعات أعضائه. وبقدر ما تتأخر هذه الدول في فهم أن لا قدرة لها بمفردها على ضمان مصالحها وأمنها أمام التجمعات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية بقدر ما ستدفع كلفة فرقتها باهظاً”.

وكانت الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين تونس والمغرب قد أثارت بقوة الجدل حول مستقبل اتحاد المغرب العربي الذي تأسس بتاريخ 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش بالمغرب، ولا يبدو أنه في حاجة إلى مزيد من التوترات بين أعضائه. علماً بأن تونس هي الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمسة التي قامت بإدراج الاتحاد في دستورها.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة