الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
أزمة الغواصات أعمق بكثير من الكبرياء الفرنسي!

كيوبوست- ترجمات
قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن دول “الأنغلوسفير” سعيدة بانحسار الغضب الفرنسي إزاء عقد الغواصات الأسترالي الذي تم إلغاؤه، وكان بقيمة 66 مليار دولار؛ لأن ذلك الغضب هو مزيج من الغيرة والحركات المسرحية لحفظ ماء الوجه أمام القاعدة الانتخابية.
وأشارت الصحيفة إلى أن “الصمت المطبق” الذي خيَّم على الدول الأوروبية الأخرى بشأن هذه القضية، قد طمأن التحالف الأمني الثلاثي؛ الذي يضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا، بأن غضب فرنسا سيكون قصير الأمد ورمزياً، وأنه بوسع المرء ملاحظة الصمت الحقيقي من جانب ألمانيا؛ إذ لا يوجد أي شيء يمكن أن يقدمه النقاش بين القادة قبل الانتخابات بشأن الغواصات، أو الجغرافيا السياسية الأوروبية.
اقرأ أيضاً: عهد بايدن.. تحديات جديدة للسياسات الخارجية والأمنية في أوروبا والشرق الأوسط
وهو موقف يتجاهل القيمة الاستراتيجية طويلة الأمد التي تراها باريس في “عقد القرن”، والذي جعل أستراليا إلى جانب الهند شريكَين أساسيَّين في خطط فرنسا لتكون قوة استقرار في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي؛ حيث يوجد لديها نحو 7 آلاف جندي، وأكثر من 1.5 مليون مواطن. ففي وقتٍ سابق من هذا العام، أرسلت فرنسا غواصة نووية إلى بحر الصين الجنوبي، واصفةً ذلك بأنه استعراض للقوة بالتعاون مع الشركاء؛ بمَن فيهم أستراليا.

كما أنَّ هذا الصمت يتجاهل الإذلال المضاعف الذي ألحقته إدارة بايدن، التي أسعدها ضمان تمزيق هذا العقد بطريقةٍ مخادعة، على حد قول الصحيفة، وتبدد الوعد بالعودة إلى بناء الإجماع والتعددية في العلاقات عبر الأطلسي بعد انتهاء رئاسة دونالد ترامب. وكان الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان قبل بضعة أسابيع مجرد مثال على ذلك؛ فالذكريات التي خلَّفها ترامب ليست فرنسية فقط، بل أوروبية أيضاً.
اقرأ أيضاً: “كورونا” والحرب الباردة الجديدة.. صراع المصالح والنفوذ
وقالت الصحيفة إن المرحلة التالية من هذا الخلاف ستصبح أقبح؛ حيث تلعب فرنسا مرة أخرى دور المنبه الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي، محذرةً من أن الاتحاد يخاطر بالانجراف إلى قرنٍ أكثر خطورة في ظلِّ غياب أية وسيلة حقيقية للدفاع عن مصالحها خارج نطاق التجارة؛ لكن هذا النوع من الخطاب عادةً لا يلقى آذاناً صاغية، كما تشكُّ دول البلطيق على وجه الخصوص في نيَّات فرنسا في هذا المجال. وبمقارنةِ الفروق التقنية والقدرات العسكرية للغواصات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، سوف نجدها كالتالي:
- غواصات هجومية من طراز “فيرجينيا”
هي غواصات هجومية سريعة تابعة للبحرية الأمريكية، تعمل بالطاقة النووية، ومسلحة بصواريخ توماهوك كروز، وطوربيدات “إم كي- 48″، وصواريخ “بوينغ هاربون-84” المضادة للسفن؛ وهي مصممة للمهام المفتوحة في المحيطات والسواحل.

ويبلغ طول النسخة الأحدث من هذه الغواصات أكثر من 450 قدماً، بينما تبلغ قدرة إزاحتها أكثر من 10000 طن، ولن يكون هذا الطراز الأحدث أكبر من سابقيه فحسب؛ بل ستكون لديه قدرة تسليحية كبيرة تبلغ نحو 65 سلاحاً بحجم الطوربيد. كما تتمتع هذه الغواصات بقدرات دعم لقوات العمليات الخاصة.
اقرأ أيضاً: التكنولوجيا النووية وراء صفقة الغواصات الأسترالية
وتتمتع الغواصات من طراز فرجينيا بمدى غير محدود، وقلب مفاعل يستخدم اليورانيوم عالي التخصيب؛ بحيث لا يحتاج إلى إعادة التزود بالوقود طوال عمر الغواصة، الذي يزيد على ثلاثةِ عقود؛ وهي من أكثر الغواصات هدوءاً ومجهزة بأجهزة استشعار متطورة، مما يمنح البحرية الأمريكية درجة من التفوق الصوتي في ساحة المعركة تحت البحر.
- غواصات هجومية من طراز “آستوت”
هي غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية تابعة للبحرية الملكية البريطانية، ويمكنها حمل ما يصل إلى 38 سلاحاً بحجم طوربيد؛ بما في ذلك صواريخ توماهوك كروز وطوربيدات سبيرفيش ثقيلة الوزن. ووفقاً لشركة البناء “بي إيه إي سيستمز”، يبلغ طولها 318 قدماً، ولديها قدرة إزاحة تزيد على 7000 طن.

وتعد غواصات المملكة المتحدة من طراز “آستوت” أسرع قليلاً من غواصات فرجينيا، ولديها مدى غير محدود. وعلى غرار الغواصات الأمريكية، تم تصميم المفاعلات الموجودة داخل الغواصات البريطانية؛ بحيث لا تحتاج إلى إعادة التزود بالوقود طوال عمر الغواصة، وهو ما يصل إلى 25 عاماً. وبالإضافة إلى ذلك، تحتوي هذه الغواصات على أنظمة دعم للقوات الخاصة البريطانية. ومن نواحٍ كثيرة، يمكن مقارنة الغواصات البريطانية من طراز “آستوت” بالغواصات الأمريكية من طراز “فرجينيا”.
- غواصات هجومية من طراز “سوفرين” و”شورتفين باراكودا”
غواصات “باراكودا” أو طراز “سوفرين”، التابعة للبحرية الفرنسية، هي غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية، صممتها شركة بناء السفن الفرنسية “نافال جروب”، ومجهزة بأربعة أنابيب طوربيد و20 رفاً للأسلحة قادرة على حمل طوربيدات ثقيلة، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ كروز، وألغام البحرية.
اقرأ أيضاً: الحرب تحت الماء..الغواصات غير المأهولة تقود المواجهة قريباً
ويبلغ طول هذه الغواصات، وهي غواصات تقليدية للمحيطات المفتوحة، 326 قدماً، وتبلغ قدرة إزاحتها نحو 5200 طن. وكغواصاتٍ نووية، تمتلك الغواصات من طراز “سوفرين” مدى غير محدود؛ لكن يجب إعادة تزويد المفاعلات بالوقود كل عشر سنوات تقريباً.

وقد قال برايان كلارك، ضابط الغواصات السابق في البحرية الأمريكية وخبير الدفاع: “من حيث الأداء، تتمتع فئة (فرجينيا) بأفضل أداء بشكل عام. وتأتي (آستوت) على الأرجح خلفها مباشرةً، ثم بعد ذلك باراكودا؛ وهي غالباً الأضعف بين الثلاث”. بيد أن الاتفاق بين فرنسا وأستراليا لم يكن على الغواصات من طراز “سوفرين” التي تعمل بالطاقة النووية؛ بل على بديل تقليدي يعمل بالديزل والكهرباء.
اقرأ أيضاً: ما الأسلحة فائقة السرعة؟ وكيف ستغير من طبيعة الحرب القادمة؟
وتبلغ سرعة الغمر القصوى لهذا البديل نحو نصف سرعة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، ولديه مرونة أقل في ساحة المعركة، ومدى أقل، كما تحتاج إلى الصعود إلى السطح بشكل متكرر. ومن المرجح أن يتم اكتشاف هذه الغواصات ومراقبتها من قِبل العدو المحتمل؛ خصوصاً إذا كان لديه أسطول كبير مثل الصين. وبالتالي، فإن الغواصات من هذا النوع مناسبة للدفاع الساحلي؛ لكنها ليست مثالية للعمليات البعيدة.
لماذا تعد غواصات الطاقة النووية أكثر منطقية؟
ويقول كلارك إنه أمر منطقي أن تفضل البحرية الأسترالية نوع الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية على الغواصات التقليدية؛ حيث تتطلع إلى استبدال غواصاتها من طراز “كولينز”. وأضاف: “إن الغواصات التي تعمل بالديزل غير منطقية حقاً؛ لأنها أثناء طريقها إلى ما تحاول القيام به، سيتم اكتشافها ومراقبتها؛ خصوصاً مع درجة الترقب التجاري والعسكري الموجود هناك. وسيتم تعقبها، وبعد ذلك عندما تصل إلى المكان الذي من المفترض أن تعمل فيه، سيكون الخصم على الأرجح في انتظارها هناك”.

كما أشار توماس شوجارت، ضابط حرب الغواصات السابق في البحرية الأمريكية، والزميل المساعد الحالي في برنامج الدفاع في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إلى أن ما فعلته أستراليا يعد فكرة جيدة، موضحاً أن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية ستلبي بشكل أفضل المطالب الأمنية لأستراليا في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي المتنازع عليها.
اقرأ أيضاً: توتر نووي يهدد العالم.. فهل عدنا إلى مرحلة سباق التسلح؟
وأضاف: “أعتقد أن ذلك منطقي في ظلِّ تدهور التوازن العسكري في المنطقة؛ وليس هناك شك على الإطلاق أن الأستراليين كانوا غير راضين عن المسار الذي اتخذه برنامج شورتفين باراكودا”. ومع ذلك، أشار كل من كلارك وشوجارت إلى أن هناك جوانب سلبية محتملة لهذا التوجه الجديد، مثل تكاليف البرنامج، فعلى الرغم من أنها كانت مرتفعة بالفعل؛ فإنه كانت هناك تأخيرات في تسليم القدرات المحسنة للغواصات إلى البحرية الأسترالية.
شقاق في قلب الناتو
من جانبٍ آخر، أشار المراقبون إلى أن ربط الغواصات بأمن الاتحاد الأوروبي والعلاقات عبر الأطلسي أصبح أكثر سهولة بفضل مواقف إدارة بايدن، وحتى مع قيام الولايات المتحدة بإلقاء غصن زيتون مع رفع حظر جائحة كورونا طويل الأمد على المسافرين الأوروبيين؛ حيث قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لشبكة “سي إن إن”: “إن الطريقة التي تم بها التعامل مع فرنسا (غير مقبولة)”.

وسوف تستمر باريس في “إضفاء الطابع الأوروبي” على هذا الصراع، بدرجات متفاوتة من النجاح، وهي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن تصطدم المحادثات التجارية مع أستراليا بحائط مسدود، ومن المرجح أن تتضرَّر الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجال التجارة والتكنولوجيا، كما أنه من المحتمل أن تستمر التوترات المحتدمة بشأن “البريكست” بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
شاهد: فيديوغراف.. أبرز المتغيرات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
غير أن الخبراء أكدوا في الوقت نفسه أن لا شيء من ذلك من شأنه أن يثير قلق البيت الأبيض، بالنظر إلى تركيزه على سياسةٍ خارجية يمكن تسويقها للطبقة المتوسطة الأمريكية؛ لكنه أيضاً مسار لن يفضي إلى إحراز تقدُّم في القضايا العالمية، مثل تغير المناخ، والانتشار النووي، وصعود الصين، لأسبابٍ ليس أقلها أن أستراليا ستضطر الآن إلى الانتظار لفترة أطول لتجديد أسطولها من الغواصات، كما يشير السفير البريطاني السابق لدى فرنسا، بيتر ريكيتس، إلى أن هناك الآن “شقاقاً كبيراً” في قلب الناتو.

وسوف يشكل عامل الصين اختباراً جوهرياً لتحديد ما إذا كانت فرنسا تمتلك حقاً قوة الإرادة والقدرة على حشد كتلة حرجة من الشركاء وراءها أم لا. فقد كان الاتحاد الأوروبي أكثر تناقضاً من الولايات المتحدة بشأن بكين، ووجد تحليلٌ أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن استراتيجيات فرنسا وألمانيا وهولندا في منطقة المحيطَين قد رسمت الصين كشريكٍ أكثر من كونها منافساً، مع تركيز ألمانيا بشكل خاص على الفرص الاقتصادية بدلاً من الأمن.
اقرأ أيضاً: عقيدة سيناترا.. ما الذي سيفعله الاتحاد الأوروبي مع الصين؟
ووفقاً للمراقبين يمكن القول إن العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تزال تهدف إلى حيادٍ هادئ، ومنخفض التكلفة؛ حيث يعتقد فريدريك ماورو، وهو زميل باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، أن هناك فرصةً لحشد مجموعة أصغر من البلدان في مشروعات الدفاع.
وكما يحب وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبرت فيدرين، أن يقول: “يميل الأوروبيون إلى التصرف مثل الدببة المسالمة في عالمٍ يبدو بشكلٍ متزايد مثل حديقة الديناصورات، وهذا لن يتغيَّر بين عشية وضحاها؛ لكنَّ (الاتفاق الأمني الثلاثي) يبدو كأنه زئير آخر قادم من بعيد”.
المصدر: بزنس إنسايدر وواشنطن بوست