الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
أزمة الصراع على مطار عدن بين “الانتقالي” و”الإصلاح”

كيوبوست
شهدت عدن توترًا أمنيًّا حادًّا بين قوات التجمع اليمني للإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، في 13 مارس الجاري، وذلك عقب انتشار قوات تابعة لـ”الانتقالي” في محيط مطار عدن الدولي؛ لمنع محاولات “الإصلاح” السيطرة على مطار عدن، وذلك بالمخالفة للاتفاق الذي تم توقيعه في الرياض؛ وهو ما يثير التساؤل حول أسباب تصعيد “الإصلاح” عسكريًّا ضد المجلس الانتقالي في هذا التوقيت، ودلالاته الإقليمية.
انتهاك مقررات اتفاق الرياض
نص اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في 5 نوفمبر 2019 على انسحاب القوات الحكومية، وكذلك مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي من منطقة مدينة عدن الساحلية، على أن يتم نشر قوات سعودية في عدن؛ لضمان السلام والأمن في المدينة، وبالتالي فقد أكد الاتفاق ضرورة وجود القوات السعودية في عدن باعتبارها قوات محايدة. غير أن محاولة “التجمع اليمني للإصلاح” للسيطرة على مطار المدينة تمهيدًا لإحكام السيطرة على عدن، يكشف عن انتهاك “التجمع” مقررات الرياض، ورغبته في الاستئثار بالسلطة، وإقصاء كل الأطراف الأخرى.
اقرأ أيضًا: اتفاق الرياض بشأن اليمن.. الفرص والتحديات
ويلاحظ أن اتفاق الرياض كان يهدف فقط إلى وقف عسكرة الأزمة التي اندلعت في أواخر عام 2019 بين “التجمع اليمني للإصلاح” والمجلس الانتقالي؛ وذلك لتمهيد الطريق في مرحلة تالية للتوصل إلى اتفاق سياسي عادل بين الأطراف المتنازعة، ويضمن لها نصيبًا عادلًا في الحكم.
وأكد هذا المعنى الأمير محمد بن سلمان، في الكلمة الافتتاحية التي سبقت التوقيع على اتفاق الرياض؛ حيث أكد أن “الرياض بذلت كل الجهود لرأب الصدع بين الأشقاء في اليمن بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين”، مضيفًا أن الاتفاق يمثل “خطوة نحو الحل السياسي وإنهاء الحرب في البلاد”. واتفق المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفثس، مع ما ذهب إليه الأمير محمد بن سلمان، إذ أكد أن “اتفاق الرياض خطوة مهمة للتوصل إلى تسوية سلمية في اليمن”[1].

ومن ثَمَّ، فإن محاولة ميليشيات “التجمع اليمني للإصلاح” للسيطرة على مطار عدن تمثل انتهاكًا لاتفاق الرياض؛ حيث اعتبار الاتفاق مجرد هدنة يلتقط خلالها أنفاسه، بعد الخسائر التي مُني بها في الجنوب في المواجهات التي دارت بينه وبين المجلس الانتقالي؛ ولذلك سعى لاستغلال الفترة الماضية لإعادة تنظيم نفسه من جديد، لتنفيذ مخططه الرامي إلى استعادة السيطرة على جنوب اليمن.
ولم يكتفِ “التجمع اليمني للإصلاح” فقط بانتهاك الاتفاق الموقع؛ ولكنه سعى إلى الوقيعة بين الرياض من جانب، والمجلس الانتقالي من جانب آخر، ولذلك شددت الرياض على أنه لا صحة لوجود أي شرخ بين المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن وقوات التحالف؛ إذ أكدت على لسان المتحدث الرسمي باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، العقيد الركن تركي المالكي، أن هناك “إعلامًا مغرضًا يحاول نقل معلومات مغلوطة عن الواقع في عدن”[2].
اقرأ أيضًا: رأي الجنوبيين في اتفاق الرياض
التحالف الإخواني- الحوثي
تزامن إقدام الميليشيات التابعة لـ”التجمع اليمني للإصلاح” للسيطرة على مطار عدن مع اتجاه الحوثيين إلى احتلال محافظة الجوف في أوائل مارس 2020، والتي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة؛ سواء لمواردها الطبيعية أو لموقعها الاستراتيجي أو أهميتها العسكرية. فبالنسبة إلى مواردها الطبيعية، تحتوي الجوف على احتياطات نفطية معقولة. أما جغرافيًّا، فتشترك الجوف في حدود مفتوحة إلى الغرب مع محافظتَي صعدة وعمران الخاضعتَين لسيطرة الحوثيين، فضلًا عن متاخمتها للحدود السعودية. وعسكريًّا، يعني استيلاء الحوثيين عليها تعزيز قدرتهم على تأمين معاقلهم في محافظة صعدة، بالإضافة إلى تأمين سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، وكذلك محافظة عمران[3].
ومن جهة ثانية، تشكِّل سيطرة الحوثيين على الجوف تهديدًا أكبر للأمن السعودي، نظرًا لأنها تتشارك معها في أكثر من 266 كيلومترًا من حدودها الجنوبية؛ مما يجعلها عرضةً لاستهدافها من قِبَل الحوثيين بشكل أكبر، ويلاحظ أن الجوف ظلت خاضعة للحكومة اليمنية منذ استعادة السيطرة عليها من الحوثيين في ديسمبر 2015، وهو الأمر الذي يكشف عن استمرار التنسيق الإخواني- الحوثي؛ لتقاسم السيطرة على اليمن على حساب باقي مكونات الشعب اليمني.

التنسيق التركي- الإيراني
لا يمكن تصور أن يتم التحالف ما بين الإخوان المسلمين والحوثيين في اليمن دون وجود رعاية إقليمية لمثل هذا الاتفاق. وتكشف تصريحات المنتسبين إلى حزب الإصلاح اليمني بجلاء عن أبعاد هذا التحالف الإخواني- الحوثي، والرعاية التركية- الإيرانية له، كما يوضح مَن هو الطرف الموجه ضده مثل هذا التحالف. فقد دعت القيادية الإخوانية توكل كرمان، الحاصلة على الجنسية التركية، خلال مؤتمر تم عقده في إسطنبول بتمويل قطري تحت عنوان “يمن ما بعد الحرب.. رؤية استشرافية”، إلى تشكيل قيادة عسكرية موحدة تقف ضد التحالف العربي في اليمن، كما خصَّت بالهجوم المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة وقوات طارق عفاش؛ نظرًا لارتهانها لقيادة التحالف العربي، وَفقًا لها.
وجدير بالذكر هنا أن كرمان تجاهلت الحديث عن الجرائم التي ارتكبها الحوثيون منذ بدء الحرب في اليمن. وتوضح هذه التصريحات سعي “التجمع اليمني للإصلاح”، ومن ورائه داعميه الإقليميين، تركيا وقطر، إلى تكوين جبهة ضد السعودية والمجلس الانتقالي، عبر التعاون مع الحوثيين في اليمن، وبتفاهم مع راعي الحوثيين الإقليمي، ممثلًا في طهران. ويدعم مثل هذا الطرح حقيقة أن القوى الرئيسية المتبقية في المشهد اليمني، غير المجلس الانتقالي، هي أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ومن غير المتخيل أن ينشأ تحالف معهم؛ نظرًا لعداء الإخوان لهم.
اقرأ أيضًا: بعد تهميشه من قِبَل التحالف.. “الإصلاح” يتآمر مع الأتراك لدخول اليمن
وعلى الرغم من أن البعض قد يرى أن إقامة تحالف إخواني- حوثي، أو تعاون بين الإخوان المسلمين وإيران عمومًا، أمر مستبعد الحدوث، بالنظر إلى الخلاف المذهبي؛ فإن هذا الطرح يغفل التعاون التاريخي الذي نشأ بين طهران والجماعات المنضوية تحت مظلة الإخوان المسلمين في المنطقة. فقد كان الحزب الإسلامي العراقي، وهو فرع الإخوان المسلمين في العراق، من الأحزاب التي فتحت خط تواصل مع طهران، وذلك على الرغم من عداء العرب السُّنة في العراق لإيران؛ بسبب قيامها بتوظيف الميليشيات الشيعية في ارتكاب جرائم تطهير عرقي ضد المسلمين السُّنة.
ووطدت جماعة الإخوان المسلمين المصرية علاقاتها مع إيران، فور وصول الرئيس الإخواني محمد مرسي، إلى السلطة (2012- 2013)، وذلك على الرغم من وجود فتور واضح في العلاقات بين البلدَين على مدى عقود. وفضح هذا التعاون بين الجانبَين اللقاء السري الذي عُقد في 2014 برعاية تركية بين الحرس الثوري الإيراني والإخوان المسلمين، والذي كان عنوانه الرئيسي التحالف ضد السعودية[4].
اقرأ أيضًا: الحوثيون واليمن.. إيران ودعم الطائفية ضد العرب
وفي ضوء العرض السابق، يلاحظ أن التطورات الميدانية التي يشهدها الجنوب تفرض ضرورة الاتجاه إلى تجنُّب إثارة أزمة عبر وقف التصعيد العسكري الحالي ضد المجلس الانتقالي في ذلك التوقيت، الذي يسعى خلاله الحوثيون إلى انتزاع السيطرة على مزيد من الأراضي اليمنية؛ بما يجافي كل الاتفاقات التي تم توقيعها في هذا الإطار، وبما يصب في صالح الأجندة الإيرانية في اليمن، والتي تسعى إلى إحكام السيطرة على صنعاء، وإقصاء الدول العربية المعنية؛ بما يمثل تهديدًا للأمن السعودي خصوصًا، والأمن الخليجي عمومًا.
المراجع: