الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

أزمات الاقتصاد الإيراني تدفع إلى تغيير العملة وتعديل الموازنة

كيوبوست

تواجه الحكومة الإيرانية أزمة اقتصادية طاحنة إثر عودة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها؛ ما أثَّر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية داخليًّا بصورة غير مسبوقة، في وقت أقرَّت فيه الحكومة مشروع قانون لحذف 4 أصفار من الريـال الإيراني، وليكون الـ”تومان” هو العملة الوطنية، في وقت تواصلت فيه مسألة هبوط الريـال الإيراني بصورة غير مسبوقة؛ حيث يعادل الدولار في الوقت الحالي 120 ألف ريـال، بينما السعر الرسمي هو 42 ألف ريـال.

وأدَّت العقوبات إلى توقُّع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6% خلال العام الحالي، بينما تقرر تعديل الميزانية (الموازنة العامة للدولة) بناءً على التطورات الاقتصادية الأخيرة التي تضمَّنت أيضًا تراجع الصادرات البترولية لطهران متأثرةً بالعقوبات.

شاهد: قطر ملاذ إيران الاقتصادي

ووَفقًا لمسح نشرته وكالة “رويترز”، فإن صادرات إيران النفطية هبطت إلى نحو 100 ألف برميل يوميًّا في يوليو، حسب بيانات لتتبع الناقلات ومصدر في قطاع النفط، بعد أن كانت أكثر من 2.5 مليون برميل يوميًّا في أبريل 2018.

وحسب تقرير أعدَّه المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بعنوان “ما وراء إعادة إقرار الميزانية الإيرانية”، فإن إعلان المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي المكون من رؤساء السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، والذي لا تحتاج قراراته إلى التصديق البرلماني، عن إعادة إقرار ميزانية مالية جديدة، بعد أربعة أشهر من إقرار الميزانية العامة (21 مارس 2019- 20 مارس 2020)! يأتي بعد إدراك الحكومة الإيرانية وجود خطأ جوهري في الموازنة لا يمكن البناء عليه، وهو المبالغة في تقدير حجم صادرات النفط المتوقعة خلال العام المالي الحالي، وهو عنصر أساسي في تكوين إيرادات الميزانية وتُبنى وتُوزَّع على أساسه نفقاتها السنوية.

وبموجب التعديلات الأخيرة، فإن حجم صادرات النفط المقدرة بـ300 ألف برميل/ اليوم، عدولًا عن 1.5 مليون برميل/ اليوم سابقًا؛ ستخلق عجزًا متوقَّعًا في الميزانية يبلغ نحو 140 تريليون تومان (33 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي، 4200 تومان/ دولار)، ويشكِّل ما نسبته 32% من إجمالي حجم الموازنة.

أحد حقول النفط الإيرانية- “رويترز”

وأضاف التقرير أن الحكومة قررت مواجهة العجز عبر خطة مكونة من شقَّين؛ الشق الأول: هو زيادة الموارد المالية غير النفطية؛ من خلال نقل ملكية أصول حكومية تبلغ قيمتها نحو 10 تريليونات تومان (2.4 مليار دولار)، سحب 50% من فائض العملات الأجنبية بالحساب الجاري، يُقدر بـ4.5 تريليون تومان (مليار دولار)، بيع سندات حكومية أو ما يُطلق عليه في إيران “صكوك إسلامية”، سحب من صندوق التنمية الوطني (صندوق ثروة سيادي).

اقرأ أيضُا: اقتصاد إيران تحت نار العقوبات: احتماليات الانهيار والثبات

أما الشق الثاني لمواجهة العجز المالي، فسيكون من خلال خفض النفقات المالية بمقدار 62.5 تريليون تومان (15 مليار دولار تقريبًا)؛ حيث قسَّمت الحكومة النفقات المالية إلى نفقات قسرية لن يتم تخفيضها، ونفقات أقل أهمية ستتحمل العبء الأكبر لتقليل النفقات خلال العام الحالي، وتشمل الإنفاق التنموي والاستثماري.

عبد العزيز الدوسري

المحلل الاقتصادي البحريني عبد العزيز محمد الدوسري، يقول في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”: “إن حركة تغيير العملة الإيرانية تعكس حالة التفاؤل/ التشاؤم لدى الإيرانيين في الداخل، فبعد انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من الاتفاق النووي وقبل فرض أية عقوبات، بدأت العملة الإيرانية في التراجع بشكل كبير؛ وهو ما انعكس على معدلات التضخم، فكانت النتيجة الطبيعية هي إلغاء الأصفار من العملة”.

وأضاف الدوسري أن تراجع الايرادات النفطية سيؤدي بطبيعة الحال إلى حصول عجز في الموازنة، وهذا العجز من السهل التعامل معه إذا كان مؤقتًا على العكس من الحالة الإيرانية التي لا يوجد أمامها سوى خيارات محدودة للغاية؛ بدايةً من الاستدانة من النظام المصرفي المحلي، لعدم إمكانية الاستدانة من النظام الدولي لتغطية العجز، وصولًا إلى تقليل الميزانية.

واعتبر المحلل الاقتصادي البحريني أن الخيار الأول مُضر جدًّا من ناحية التضخُّم؛ فمنافسة النظام الإيراني للأفراد والشركات للحصول على التمويل ستتسبب في رفع أسعار الفائدة عاليًا، وسيُمنع كثيرون من الحصول على تسهيلات تمويلية، والضرر هنا سيكون واضحًا على الاقتصاد ومعدلات التضخُّم.

أما الخيار الثاني فهو لا يقل ضررًا؛ لأن الاقتصاد الإيراني في أشد الحاجة إلى الإنفاق الحكومي، وتراجع الحكومة عن بعض بنود الإنفاق سينعكس على معدلات النمو وسيُدخل الاقتصاد الإيراني في كساد، وإذا حاولت الحكومة تغطية العجز من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية (كالضرائب) فهذا القرار سيكون حساسًا من الناحية السياسية؛ خصوصًا مع الظروف الأمنية الحالية ولحاجة النظام الإيراني إلى تقوية الجبهة الداخلية بدلًا من طرح سياسات مالية قد تتسبب في إضعاف الجبهة الداخلية.

الباحث الاقتصادي بمعهد الدراسات والبحوث الآسيوية محمد أبو العلا، يقول في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”: “إن الوضع الاقتصادي في إيران يتجه وَفقًا للمؤشرات إلى أسوأ حالاته منذ سنوات؛ وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الداخلية”، مشيرًا إلى أن عدم خفض الرواتب لا يعني بالضرورة الإبقاء على القبول الشعبي؛ لأن الخدمات والبنية التحتية التي تعاني مشكلات ستسوء أكثر، بالإضافة إلى فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي يخسرها الاقتصاد نتيجة تراجع صادرات النفط.

وأوضح أبو العلا أن استمرار الأوضاع الاقتصادية بهذه الأرقام والمؤشرات ربما يكون عامل دفع لاحتجاجات شعبية يكون لها انعكاسات سياسية، مشددًا على أن الأوضاع يتوقع أن تتجه إلى مزيد من السوء حال عدم التوصل إلى حل من شأنه إعادة حركة تصدير النفط إلى ما كانت عليه في بداية العام أو على الأقل نصف هذه المعدلات.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة