الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
أردوغان يزرع العصي في عجلات بلدية إسطنبول
القوة المركزية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا تستوعب خسارته مدينة إسطنبول على مضيق البوسفور.. وهو يفعل كل شيء لتعقيد مهمة البلدية الجديدة

كيوبوست
يقع كثير من المطبات على طريق أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول الجديد، الذي تم انتخابه قبل عدة أشهر على رأس أغنى وأكبر مدينة في تركيا، ممثلًا لحزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة لأردوغان في البلاد، كان هذا الرجل يعتقد أن التعايش مع الحكومة الإسلامية المحافظة سيكون أمرًا طبيعيًّا؛ لكن يبدو أنه قد أخطأ في حساباته.
لقد وصل صبره إلى منتهاه، وهو يعبر عن حالة الإحباط التي أُصيب بها بوضوح في تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها إلى الصحافة، قائلًا: “إن الرفض القاطع الذي تبديه الحكومة للعمل مع إدارته يجعله عاجزًا عن الكلام”.
اقرأ أيضًا: تركيا تحرم العرب من تجديد إقاماتهم
مؤخرًا، تم إفشال قمة عقدها رئيس بلدية إسطنبول الجديد؛ في محاولة لتمويل مشروعات البنية التحتية العاجلة في المدينة، عندما رفضت البنوك العامة تمويل تلك المشروعات للبلدية؛ مما أجبره على اللجوء إلى البنوك الأجنبية. وقال العمدة حينها: “البنوك الحكومية أغلقت الباب في وجهي”.
تحتاج المدينة التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة إلى أكثر من 20 مليار ليرة تركية (3 مليارات دولار)؛ لتنفيذ مشروعات لتوسيع شبكة المترو. فعلى الرغم من أن المترو في إسطنبول يتميز بالنظافة، ومريح وعملي ويخلو من حوادث النشل نسبيًّا؛ فإن به عيبًا واحدًا فقط، إنه لا يحتوي إلا على سبعة خطوط فقط في مدينة كبيرة ومترامية الأطراف.

أردوغان يعرقل
لقد صُدم أوغلو برفض المصرفيين منحه أي قروض أو عقود ائتمان، حتى على المدى القصير، كما تم رفض أية معاملة مالية صادرة عن مجلس المدينة؛ مثل دفع رواتب موظفي البلدية.. هذه السلسلة من الرفض المتواصل غير مفهومة؛ خصوصًا أن الحكومة تحث البنوك باستمرار على فتح برامج الائتمان لإنعاش الاقتصاد المتعثر.
لقد تم اتخاذ هذا القرار حتمًا بموافقة الحكومة المركزية، والتي تعتمد على البنوك العامة، لقد نما هذا الاعتماد منذ أن أصبحوا جزءًا من صندوق الثروة السيادية في البلاد؛ وهو هيكل فضفاض يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، وصهره وزير الاقتصاد والمالية بيرات البيرق.
وللمعلومة، فإن إسطنبول ليست الوحيدة المعنية بذلك؛ بل لقد واجهت جميع البلديات الأخرى التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري في ربيع عام 2019، خلال الانتخابات البلدية، نفس المصير؛ أي رفض تمويل البنية التحتية، بما فيها أنقرة وأضنة ومرسين وأنطاليا.
القرار غير مفهوم وَفقًا لإمام أوغلو: “أنا لا أعرف دوافع المصرفيين، كل ما يمكنني قوله هو أن هذا الموقف غير احترافي (…) لا يهم، فيمكننا الحصول على القروض في مكان آخر؛ في أوروبا على سبيل المثال”.

قروض أوروبية
ذهب العمدة إلى أوروبا في الخريف؛ لمحاولة إنقاذ مشروعاته بدعم من البنوك الأوروبية، ففي حين أن تركيا قد تجد صعوبة في جذب رأس المال الأجنبي؛ بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، إلا أن إسطنبول وضعها مختلف؛ وهي التي تنتج ثُلث الاقتصاد الوطني، وتقدم عائدًا جيدًا على مستوى الاستثمار. المصرفيون الأوروبيون يعرفون ذلك؛ لذلك منح “دويتشه بنك” الألماني، عمدة المدينة قرضًا بقيمة 110 ملايين يورو، لإنشاء خط جديد للمترو على الجانب الآسيوي.
اقرأ أيضًا: تركيا بيئة خصبة لاغتيال المعارضين الإيرانيين
من العقبات الأخرى التي تقف في طريق أكرم إمام أوغلو، مشروع تعديل قانون أعدته الحكومة الإسلامية، يهدد بحرمانه من سلطته على الأحياء المحيطة بالبوسفور؛ وهي المنطقة الأكثر استراتيجية من حيث التخطيط الحضري.
إذا تم التصويت على هذا النص من قِبَل البرلمان، الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية أيضًا، فستتم إدارة المنطقة بشكل حصري من قِبَل لجنة تُسمى “إدارة البوسفور”، والتي يسيطر عليها أردوغان مباشرة، ولن يكون لعمدة المدينة أي صوت يُذكر.

قناة إسطنبول
وكان أكرم إمام أوغلو قد وجَّه انتقادات لاذعة إلى الرئيس التركي مطلع الشهر الحالي؛ بسبب مشروع قناة إسطنبول المثير للجدل، حيث قال: “بينما نتحدث عن موضوع الزلزال وإدارة رئاسة الكوارث والطوارئ التركية، هناك مسألة لا أستطيع تخطيها؛ وهي مشروع قناة إسطنبول، خصوصًا أنهم يحاولون فتح الموضوع من جديد فى الآونة الأخيرة وطرحه كأنه أهم مسألة في إسطنبول”.
وتابع رئيس بلدية إسطنبول: “هذا المشروع ليس حتى مشروع خيانة لإسطنبول؛ بل هو مشروع قتل رسمي وبشكل واضح، ومشروع كارثي لا لزوم له لإسطنبول، وعندما ينتهي هذا المشروع، ستفقد معه مدينتنا جميع معالمها القديمة والتراث التاريخي وأسباب وجودها لعشرات الآلاف من السنين”.
اقرأ أيضًا: ماركو ساسولي: “يجب أن تحترم تركيا القانون الدولي على الأراضي التي غزتها”
لا تسير الأمور على ما يُرام بين إمام أوغلو وأردوغان، وما حصل في سبتمبر الماضي كان أحد الشواهد على ذلك، عندما استقبل أردوغان 26 من رؤساء البلديات في القصر الرئاسي في أنقرة؛ بينهم إمام أوغلو الذي أُجلس على كرسي شبه مكسور، وبعد فترة وجيزة من الحادث، سُئل إمام أوغلو، فأجاب: “مقعدي مكسور، لكن كرسيه هش”.