الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

أدلة تؤكد بدء سباق التسلح من جديد بين الولايات المتحدة وروسيا

هكذا اشتعلت الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو

كيو بوست – أحمد أمين نمر

منذ اللحظة الأولى على بدء تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من معاهدة القضاء على الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى مع روسيا في 2 شباط/فبراير، وتأكيد وزير خارجيتها مايك بومبيو أن واشنطن ستقوم بإلغاء هذه المعاهدة الموقعة عام 1987 إذا لم تعد روسيا تمتثل بشكل كامل وقابل للتحقق خلال فترة 6 أشهر، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا سترد على قرار واشنطن بالمثل وتقوم بتعليق مشاركتها في هذه المعاهدة، مؤكدًا أن بلاده ستبدأ العمل على تطوير صاروخ صوتي أرضي متوسط المدى. فيما صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الإثنين 4 شباط/فبراير، أن روسيا سترد بالوسائل العسكرية والتقنية على التهديدات الناشئة عن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة، مبينًا أن موسكو لا تسعى إلى سباق التسلح، الذي كان سمة حقبة الحرب الباردة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد عزمه وضع “خيارات الرد العسكري”، بالتعاون مع الناتو، لمنع تفوق روسيا عسكريًا نتيجة “خرقها” للاتفاقية. وقال في بيان صدر عن البيت الأبيض الجمعة الماضية: “سنمضي قدمًا وسنضع خيارات خاصة بنا للرد العسكري، وسنعمل مع الناتو وحلفائنا وشركائنا الآخرين للتعويض عن أي ميزة عسكرية حصلت عليها روسيا نتيجة أفعالها غير القانونية”، مضيفًا أن إدارته تحافظ على تمسكها بضرورة “الرقابة الفعالة على انتشار الأسلحة التي تتيح للولايات المتحدة وشركائها مزايا متنوعة”.

اقرأ أيضًا: إذا اندلعت الحرب بين روسيا والولايات المتحدة، لمن ستكون الغلبة؟

وينذر هذا التصعيد من الجانبين بمرحلة حرب باردة ثانية بين البلدين، على غرار الحرب التي انطلقت عام 1983، وانتهت بتوقيع الاتفاقية بعد 4 سنوات، وهو ما أدركته الولايات المتحدة الأمريكية سريعًا بعد رد الفعل الروسي الحاد بإعلان التصعيد وبدء التسليح، ردًا على قرار انسحاب واشنطن من الاتفاق. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد قال إن بلاده مستعدة لاستئناف الحوار مع روسيا بشأن انتشار السلاح بعد قرارها تعليق معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، مضيفًا أن “الولايات المتحدة ستضبط انتشار الأسلحة بما يراعي أمنها وأمن الحلفاء والشركاء بشكل حقيقي قابل للتنفيذ، بمن فيهم الحلفاء الذي يفون بالتزاماتهم”.

بدورها، دعت الصين كلًا من واشنطن وموسكو إلى حل خلافاتهما بشكل صحيح من خلال الحوار البناء. واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جين شوانغ، أن انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من معاهدة الطاقة النووية قد يثير سلسلة من العواقب السلبية، مؤكدًا أن الصين ستتابع عن كثب التطورات ذات الصلة.

واعتبرت اليابان أن الوضع الخاص بمعاهدة القضاء على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى “حالة غير مرغوب فيها”، إذ قال الأمين العام للحكومة اليابانية يوشيهيدا سوغا: “هذه المعاهدة لعبت دورًا تاريخيًا فيما يخص مسألة السيطرة والحد من التسلح، ونحن نعتبر الحالة التي تضطر إلى وقف سريان هذه المعاهدة حالة غير مرغوب فيها”، مضيفًا أن طوكيو تدرك جوهر المشكلة التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان قرارها.

ويبدو أن سباق التسلح انطلق من جديد بين روسيا والولايات المتحدة إيذانًا ببدء الحرب الباردة الثانية، إذ نشرت وزارة الدفاع الروسية صورًا ومقاطع مصورة تظهر المصنع الأمريكي للصناعات العسكرية “رايغيون”، بولاية أريزونا، الذي بدأت فيه منذ سنتين أعمال تطوير الصواريخ المحظورة، قائلة في بيان لها: “قبل سنتين من توجيه الاتهامات العارية لروسيا بشأن انتهاك الاتفاقية، لم يتخذوا القرار فحسب، بل بدأوا أيضًا بالتحضير لإنتاج الصواريخ المحظورة ذات المديات المتوسطة والقصيرة”.

 

تعزيز القدرات الروسية

يمكن ملاحظة إشارات بدء حرب باردة ثانية بين الولايات المتحدة وروسيا عبر تحركات البلدين في تطوير الأسلحة التي تنتهك بشكل واضح معاهدة «آي إن إف» للحد من التسلح؛ فروسيا تعتزم تعزيز قدراتها العسكرية عبر تطوير صواريخ باليستية أسرع من الصوت قصيرة ومتوسطة المدى لتواجه أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية، بالإضافة إلى بدء وزارة الدفاع الروسية العمل على مشروع إنتاج صواريخ متوسطة المدى “كاليبر” ذات منصات أرضية سيكون مداها 2600 كيلومتر، بعد تأييده من الرئيس بوتين الذي أوعز بتسريع عملية وضع أنظمة “أفانغارد” و”بيريسفيت” و”سارمات” و”كينجال” في الخدمة.

وتعتبر “أفانغارد” أحدث منظومة صواريخ من صنع روسي، إذ تتميز بأن صواريخها تستطيع أن تحمل رؤوسًا حربية مدمرة إلى الأهداف المراد تدميرها بسرعة تعادل أضعاف سرعة الصوت، فيما تعمل منظومات “بيريسفيت” الليزرية الأرضية القتالية وفق مبادئ فيزيائية جديدة يمكن أن تستخدم ضد منظومات المراقبة البصرية في الطائرات والأقمار الصناعية للعدو، وضد الطائرات المسيرة. أما صاروخ كينجال فمداه يصل إلى 2000 كم، وسرعته تفوق سرعة الصوت بـ10 مرات، وقادر على حمل رؤوس نووية، وتحمله وتطلقه مقاتلات ميغ 31 الروسية.

اقرأ أيضًا: هل سيشعل الانسحاب الأمريكي من معاهدة النووي مع روسيا سباق التسلح؟

فضلاً عما سبق، يمكن لموسكو تطوير منظومة “إسكندر” الصاروخية التي تتميز بالدقة العالية في إصابة الأهداف، والقدرة على اختراق شبكات الدفاع الجوي المخصصة لاصطياد الصواريخ، إذ أعلنت روسيا سابقًا أن بإمكانها تجهيز منظومة “إسكندر — كا” التي يصل مداها إلى 500 كم بالصواريخ المجنحة بعيدة المدى، لتصل إلى أكثر من 2000 كم إن لزم الأمر.

كما أن باستطاعة القوات الصاروخية الإستراتيجية الاستفادة من قدرات القطارات الصاروخية “بارغوزين”؛ إذ من الممكن أن تطور القوات الروسية صواريخ لتكون أسرع من الصوت، خصوصًا أن موسكو كانت قد أعلنت في وقت سابق أن النظام سيدخل الخدمة في عام 2020، مؤكدة أنه سيتفوق على سابقه “مولوديتس” في بعض الخصائص، علمًا أنه يمكن معرفة قدرة القطار الصاروخي الواحد من خلال مقارنته بما حدث على سبيل المثال في هيروشيما؛ فالقطار الواحد قادر على تدمير هيروشيما 900 مرة.

 

تحركات الولايات المتحدة الأمريكية

في المقابل، خصصت الولايات المتحدة في العام الماضي 25 مليون دولار أمريكي لتطوير صاروخ نووي مبرمج وموجه يسمى (كروز ميسايل)، يوضع على منصات إطلاق متنقلة، ويمكن إطلاقه من أي بقعة من البر، فضلًا عن العمل على تطوير نسخة جديدة من صاروخ “توماهوك” تحلق بسرعة تصل إلى 3 أضعاف سرعة الصوت.

ولم تكتف واشنطن بتطوير منظومتها الصاروخية، بل عملت على محاصرة روسيا على أرض الواقع؛ ففي شمال غربي المحيط الهادئ، نجحت الولايات المتحدة في الوصول إلى أقرب مسافة من السواحل الشمالية الشرقية لروسيا، بعدما خلقت أزمة الصواريخ الكورية الشمالية، وأدخلت منظومة دفاعها الجوي “ثاد” ونشرتها على السواحل القريبة من كوريا الشمالية.

اقرأ أيضًا: أقوى أسلحة من صنع الإنسان تهدد البشرية

كما تمكنت واشنطن من نشر منظومة “إيجيس” الأمريكية المضادة للصواريخ في اليابان التي أعلنت التوسع في منظومتها الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية بالحصول على محطات الرادار والاعتراض الأرضي أمريكية الصنع من طراز “إيجيس” في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، وهو الأمر الذي اعتبرته روسيا تهديدًا لأمنها، إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقتها، إن روسيا الاتحادية تشكك في قيام طوكيو بإدارة عمل عناصر النظام، وإن هناك معلومات تؤكد أن نظام الدرع الصاروخية الذي سيتم نشره في اليابان يعتمد أساسًا على قواذف متعددة المهام لها قدرة على استخدام الأسلحة الهجومية.

أما في أوروبا الشرقية، فاتبعت واشنطن أسلوبًا آخر في محاصرة روسيا، إذ كشفت وزارة الخارجية الروسية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي قيام الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل سري، بتزويد منصات الدرع الصاروخية في رومانيا وبولندا بصواريخ مجنّحة متوسطة المدى من نوع “توماهوك”، رغم أن هذا يتعارض مع معاهدة الحدّ من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، الأمر الذي يعتبر ضربة بالنسبة لموسكو؛ إذ تصبح جميع الأجزاء الأوروبية من روسيا تحت مرمى نيران منظومات الولايات المتحدة الأمريكية.

 

تعريف بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى

معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، واختصارها INF، هي معاهدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهوريات الاشتراكية للاتحاد السوڤيتي للقضاء على صواريخ الطرفين متوسطة المدى. ووقع عليها في واشنطن، الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والأمين العام للاتحاد السوفيتي ميخائيل كورباتشوف في 8 ديسمبر/تشرين الأول 1987، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يونيو/حزيران من العام 1988، بعد أن صادق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي في 27 مايو/أيار من العام نفسه.

وبموجب المعاهدة، جرى القضاء على الصواريخ الجوالة والبالستية والتقليدية والنووية ذات المدى المتوسط (جرى تحديده بين 500-5,500 كم)؛ إذ دمر الاتحاد السوفيتي 1792 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا تطلق من الأرض، في حين دمرت الولايات المتحدة الأمريكية 859 صاروخًا. وبهذه المعاهدة، وضع حد لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ إس.إس-20 النووية التي كانت تستهدف عواصم أوروبا.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة