الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
أحمد تينوبو.. “صانع الملوك” يصبح رئيس نيجيريا في خريف عمره

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
منذ 8 يناير عام 1897، حملت الرقعة الجغرافية المكونة من ثلاث ممالك قديمة في نسختها الاستعمارية الجديدة اسم “نيجيريا”، اشتقاقاً من نهر النيجر الذي يخترقها، وبفضل الصحفية البريطانية فلورا شو، زوجة الحاكم الاستعماري لتلك البلاد لورد لوغارد. ولم يحكم نيجيريا ملك منذ ذلك الحين؛ لكن الرئيس النيجيري الجديد بولا أحمد تينوبو، حظي رغم ذلك بلقب “صانع الملوك”؛ لدوره في فوز عدد من الرؤساء السابقين في بلاده.

بين لاغوس وشيكاغو
في مارس 1952، رُزِقت العائلة الأكثر شهرة في مدينة لاغوس، العاصمة النيجيرية آنذاك، بمولود ذكر سمَّته “بولا”. عاش طفلاً مُدللاً في كنف عائلته المُسلمة الثرية، واجتاز مراحله التعليمية ما قبل الجامعة دون عقبات تُذكر أو تفوق يشار إليه. ثم غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ملتحقاً بكلية ريتشارد دالي بشيكاغو؛ لدراسة المحاسبة وإدارة الأعمال، ومشتغلاً في عدة وظائف صغيرة؛ مثل قيادة سيارات الأجرة وغسيل الأطباق والحراسة الليلية، حيث أصقل قدرته في الاعتماد على نفسه دون الاستعانة بأسرته الثرية.
اقرأ أيضاً: الإرهاب يهدد العملية الانتخابية في نيجيريا
في هذه المرحلة من حياته، تعلَّم “بولا” الكفاح والمثابرة، وتمكَّن من التخرُّج بامتياز ضمن قائمة شرف “ريتشارد دالي”، بينما نهل من مناخ الحريات والديمقراطية المتاحة هناك مبادئه السياسية الأولى، فعاد إلى بلاده شخصاً آخر بأحلام مختلفة.
يعود الشاب “بولا” إلى مسقط رأسه -لاغوس- مجدداً، ويعمل في وظيفة محاسب أول، ومدقق في إحدى شركات النفط الحكومية؛ لكن السياسة أخذته فانخرط فيها، حتى دخل البرلمان نائباً منتخباً عام 1992. ولم يدم الأمر طويلاً لنجاح انقلاب الجنرال “ساني أباتشا”، على الديمقراطية الناشئة والهشة، وحكمه البلاد بيد من حديد (1993- 1998).
رئيس عجوز لمجتمع شاب
بعد الانقلاب، توارى بولا أحمد تينوبو، عن الأنظار عاماً كاملاً، ثم هرب من البلاد عام 1994، ومارسَ من منفاه التحريض ضد الانقلاب، مطالباً بالعودة إلى الحكم الديمقراطي. وبعد وفاة أباتشا عام 1998، عاد تينوبو، لينشط في العمل السياسي عضواً مؤسساً ضمن التيار الديمقراطي.

برز تينوبو بعد عودته صانعاً للتنمية، في الفترة التي انتخب فيها حاكماً تنفيذياً لولاية لاغوس (1999- 2007)، فبنى عشرة آلاف وحدة سكنية للشرائح الفقيرة، وطوَّر البنية التحتية واستثمر في التعليم، وأسس مع آخرين حزب مؤتمر جميع التقدميين، الذي قدمه مرشحاً رئاسياً خلفاً لصديقه الرئيس المنتهية ولايته “محمدو بهاري”. وقد أعلنت مفوضية الانتخابات في نيجيريا، بداية مارس الجاري، فوزه بـ8.8 مليون صوت، متقدماً على منافسَيه عتيق أبوبكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطي، وبيتر أوبي مرشح حزب العمال. يصبح صانع الملوك بذلك رئيساً لأكبر اقتصاد وديموغرافية إفريقية وهو في خريف عمره، إذ يبلغ 71 عاماً، بينما تضم نيجيريا أكبر عدد من الشباب في العالم، بمتوسط عمر 18.1 سنة، وتقل أعمار 70٪ من السكان عن 30 عاماً، و42٪ تحت سن 15 عاماً.
اقرأ أيضاً: بوكو حرام ضد داعش… معركة كسر العظم في “جمعة تورو” وبلدات أخرى
حان دوري
معروف في نيجيريا أن الفضل يعود إلى تينوبو في الدفع بكثير من السياسيين إلى مناصب وزارية مهمة، فأسهم في تولي الرئيسَين أبوسانجو ومحمد بخاري، مقاليد الحكم، واشتهر بأنه عرَّاب الرؤساء، وربما نسي نفسه في هذا الخضم المتلاطم، وحين تذكرها قرر أن يصبح الرئيس، فرفع شعار “حان دوري”، وخاض به ضمار الانتخابات وفاز على 8 منافسين.
يعتبر تينوبو تكنوقراطياً بارعاً وإدارياً ماهراً والاستراتيجي الأول في نيجيريا، ومكتشفاً فريداً للمواهب السياسية وراعياً لها. إلى جانب ذلك، معروف عنه أنه حاضر البديهة وصاحب نكتة وطُرفة؛ فحين سُئل عقب فوزه عن وضع زوجته النائب في مجلس شيوخ لاغوس، السيدة أولوريمي تينوبو، قال تينوبو مازحاً، إنها لن تعود إلى البرلمان بعد الآن؛ لأنها ستفضل وظيفتي “ربة منزله وسيدة أولى”.

مزاعم فساد
تلاحق الرئيس النيجيري مزاعم عديدة بالفساد. ورغم أنه الحاكم الإقليمي الوحيد من أصل ستة الذي تمكن من البقاء في منصبه كحاكم للاغوس؛ أكبر مدينة في إفريقيا من حيث المساحة والسكان (نحو 25 مليون نسمة)، وواصل مشواره السياسي الناجح بفوزه بالرئاسة 2023؛ فإن منتقديه يشككون في قدرته على إدارة الدولة ويزعمون أن إدارته للمدينة الكبيرة لم تكن بالمستوى الذي يروج له في الإعلام، فالبنية التحتية لا تزال سيئة إلى حد كبير، والمرافق الأساسية مثل المياه والإسكان العام متهالكة، في حين أن مشروع السكك الحديدية الخفيفة الذي بدأ في عهده لم يكتمل بعد نحو 20 عاماً، على الرغم من ثروات الدولة. كما يتهمونه بالسيطرة على الموارد المالية لولاية لاغوس حتى اللحظة، رغم أنه غادر منصبه كحاكم لها عام 2007.
اقرأ أيضاً: تفجيرات نيجيريا.. صراعٌ ديني أم استحقاقٌ انتخابي دموي؟
إلا أن الرجل فشل في الدفاع عن نفسه قبل عامَين، عندما اتهمه “دابو أبارو”، المحاسب في شركة “ألفا بيتا” ((Alpha-beta، بامتلاكه أسهُماً فيها من خلال صديق له، واستخدامها لغسيل الأموال والاحتيال والتهرب الضريبي وممارسات فاسدة أخرى، ولكن لم تذهب القضية قدماً في درجات التقاضي، فقد قررت جميع أطرافها التسوية خارج النظام القضائي، وإغلاق الملف.
أصبح بولا رئيساً منتخباً لنيجيريا لأربع سنوات مقبلة، وأمامه ملفات شائكة؛ اقتصادية وأخرى متعلقة بالفساد والإرهاب، فهل ينجح “صانع الملوك” في إدارتها أم أن عاملَي التقدم في السن والتراجع في الصحة سيؤثران سلباً عليه؟