الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
أحمد التان.. الطائر التركي الذي أُعيد إلى قفصه
أحمد التان ليس الأول ولن يكون الأخير.. منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 كثَّفت تركيا من محاكم التفتيش على وسائل الإعلام والمثقفين الذين ينتقدون السلطة.. قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF) على موقعها عبر الإنترنت: "تركيا هي أكبر سجن في العالم للعاملين في مجال الإعلام"

كيوبوست
“أنا أكتب هذه السطور من زنزانتي؛ لكنني لست في السجن. أنا كاتب، صحيح يمكنك سجني، لكن لا يمكنك أن تبقيني هنا، فأنا مثل كل الكُتَّاب ساحر، يمكنني تجاوز جدرانك بلا ضرر”.
تدوينة الحرية هذه مأخوذة من مطلع كتاب “لن أرى العالم مرة أخرى”، وهو الكتاب الذي ألَّفه الكاتب التركي أحمد التان، إبان فترة احتجازه في مركز سيليفري للاعتقال في ضواحي إسطنبول.
يبدو أنه سيتعين على “الساحر” أن يواصل الثقة في مخيلته لإسقاط الجدران؛ فبعد أن أُطلق سراح الكاتب والصحفي التركي، البالغ من العمر 69 عامًا، في 4 نوفمبرالماضي، بعد قضاء ثلاث سنوات في السجن، اقتيد مرة أخرى إلى السجن في 12 نوفمبر، بعد أسبوع واحد فقط من إطلاق سراحه. جاء ذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للاحتجاج على سجن أصحاب الرأي.
تقول ياسمين كونجار، في تصريحات صحفية أدلت بها، وهي صديقة مقربة من التان، ومديرة موقع “P24″، أحد المنصات الصحفية المستقلة في تركيا: “إنه بخير، لا يزال صامدًا، يضحك كثيرًا؛ بالطبع إعادته إلى السجن ضربة قاسية، لكنه يعلم أنها مزحة سياسية وهو مستعد للقتال والصمود كما كان دائمًا”.

اقرأ أيضًا: إدانة أممية لخرق تركيا قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا
تهمة الانقلاب
تم القبض على أحمد التان في عام 2016، إبان الحملة التي أعقبت الانقلاب الفاشل في تركيا.. خلال محاكمة سابقة، حُكم عليه لأول مرة بالسجن مدى الحياة؛ بسبب صلاته المزعومة بحركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، العدو التاريخي لرجب طيب أردوغان، والمشتبه في قيامه بالتحريض على الانقلاب الفاشل. غولن الذي يُقيم في المنفى في الولايات المتحدة، ظل ينكر أي شكل من أشكال الانتماء لهذا الكاتب إلى مجتمعه الديني.
تم تخفيض عقوبة التان، في وقت لاحق، إلى السجن لمدة عشر سنوات ونصف السنة، وبعد ثلاث سنوات في السجن أمر القضاء التركي بالإفراج عنه تحت إشراف قضائي؛ أي أن يبقى تحت مراقبة قضائية، لكن الادعاء استأنف إطلاق سراحه؛ بحجة “الخطر الذي يشكله على أمن البلاد”.
حسب المدافعين عن التان، فإن موضوع الاستئناف مضلل: “لم يكن أحمد يعتزم مغادرة البلاد، هذه لعبة سياسية، وما يُنتقد بسببه التان هو رفضه إبقاء فمه مغلقًا؛ لكن بالنسبة إليه من الطبيعي أن يكتب؛ للتعبير عن نفسه، يفكر في ما يكتب ويكتب ما يفكر فيه، إنه لا يندم على أي سطر.”

تاريخ من الحرية
هي ليست المرة الأولى التي يجابه فيها الصحفي والكاتب أحمد التان، السلطات التركية؛ في عام 1995، خلال الحرب التي شنها الجيش التركي في المنطقة الكردية جنوب شرق بالبلاد، كان التان رئيس تحرير جريدة “مليت”، ثم تم فصله وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 شهرًا مع وقف التنفيذ؛ بسبب دعمه إقامة دولة كردية.
وواجه التان هذا الاتهام أيضًا عندما كتب، في عام 1999، إعلانًا لحقوق الأكراد، مع اثنين من الكتاب الأتراك الآخرين المعروفين، أورهان باموك ويشار كمال. في عام 2008، كتب أحمد التان مقالًا مخصصًا لضحايا الإبادة الجماعية للأرمن، فاتهم بعدها بـ”إهانة الأمة التركية”.
اقرأ أيضًا: تركيا متهمة بترحيل اللاجئين السوريين قسريًّا إلى بلادهم
ضحية للعدالة أو شريك في الظلم
عندما أُفرج عنه في 4 نوفمبر الماضي، أمسك أحمد التان القلم وكتب في “الجارديان” البريطانية، مقالًا نُشر في التاسع من نوفمبر: “أُفرج عنِّي من السجن في إحدى الليالي، وسُئلت عن كيفية ذهابي ومَن سيستقبلني، كان الناس يتوقعون سماع فرحة أولئك الذين عاشوا لحظاتهم الأولى من الحرية بعد سنوات؛ لكنني على العكس كنت حزينًا بعض الشيء، لقد تركت خلفي الآلاف من الأبرياء.. كسجين، أنت ضحية للعدالة، وبمجرد رحيلك تصبح شريكًا في الظلم”.
عرف أحمد التان ما كان ينتظره بعد هذا المقال. وقالت ياسمين كونجار: “علمنا أنه سيعود إلى السجن منذ وقت استئناف الادعاء.. هذا الإجراء غير قانوني؛ لأن أحمد نفسه قدَّم استئنافًا ضد إدانته في المحكمة الابتدائية، وبالتالي فإن محاميه سيدعو إلى عدم قانونية الإجراءات أمام المحكمة الدستورية”.

أحمد التان ليس الأول ولن يكون الأخير؛ فمنذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، كثَّفت تركيا من محاكم التفتيش على وسائل الإعلام والمثقفين الذين ينتقدون السلطة. وقالت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF)، على موقعها عبر الإنترنت: “تركيا هي أكبر سجن في العالم للعاملين في مجال الإعلام”.
منذ ذلك الحين، احتُجز ما لا يقل عن 160 من الكتاب والصحفيين في السجون التركية، حسب “Pen International”؛ وهي رابطة الكتاب التي تنظم فعاليات اليوم العالمي لاستنكار حبس الكتاب وأصحاب الرأي. يقول أحد المختصين في هذا الملف: “إن الشراسة في التعامل مع أحمد التان تعكس مناخ الإرهاب الذي يسود في تركيا، والقوة ترهب باستمرار هؤلاء الكتاب والصحفيين”.