شؤون خليجيةمقالات

أبو خُشم حارس مسامير إسرائيل

من هو أبو خشم؟

كيوبوست

ذات ليلة، طوَّقت الشرطة الإسرائيلية جبلا قرب مدينة الناصرة، وألقت القبض على كل العمال الفلسطينيين الذين ينامون في الجبل لأنهم لا يحملون تصاريح للعمل في إسرائيل، وفي نفس الليلة أُلقي القبض على أبي خُشم.

أبو خُشم كان قد وصل قبل عدة أيام إلى ورشة بناء في الناصرة، وهناك تعرف على العمال ولم يُعرفهم على نفسه، لكن بعد انتهاء يوم العمل، عاد العمال إلى الجبل الآمن ومعهم أبو خشم الذي فَحص المكان، واستأذن من العمال مساعدته في نصب سرير له فوق شجرة، لكي يتمكن من كشف الشارع الترابي المؤدي إلى الجبل في حال إقتحم البوليس المكان.

استخطر العمال نوم زميلهم فوق شجرة، وأخبروه بأن المكان آمن ولا داعي للقلق، لكن أبو خشم قال لهم بأن له مشاكل كثيرة مع الأمن الإسرائيلي ولا يريد أن يُغامر. سكت العمال وفهموا أن للرجل وضع خاص، وفي حال ألقي القبض عليه سيواجه تهما أكبر من تهمة العمل بدون تصريح، وتفهموا أيضا لماذا يتهرب من التعريف بنفسه وعذروه.

بعد نصب السرير، وأثناء تناول العشاء، تبرع واحد من العمال خفيفي الدم ومنح العامل الجديد لقب “أبو خُشم” لأن أنفه كبير. ضحكوا جميعا، ثم صعد أبو خُشم إلى الشجرة لينام في سريره، فيما دخل بقية العمال للنوم في مواسير المجاري الإسمنية الواسعة التي وضعتها شركة مقاولات في الجبل لتمديد خط جديد في المنطقة، فاستغلها العمال للنوم.

في ليلة القبض على أبي خُشم، لم يخف العمال الذين سحبتهم الشرطة من المواسير على أنفسهم، ففي أسوأ الأحوال سيواجهون تهمة الدخول إلى إسرائيل من دون تصريح ويعاقبون بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر، لكنهم خافوا على أبي خُشم عندما شاهدوه ينزل عن الشجرة بطلب من البوليس.

جمعت الشرطة العمال في مكان مكشوف لنقلهم بالسيارات إلى مركزها كي يتم تقديمهم في اليوم التالي للمحكمة، أثناء ذلك مرر العمال كل ما في جيوبهم من سجائر لأبي خُشم، ومنهم من خلع معطفه وناوله إياه كي لا يبرد في حبسته الطويلة لأن لديه مشاكل أمنية مع إسرائيل.

في المحكمة حَبس القاضي كل العمال، وأطلق سراح أبا خُشم بعد أن أجرى إتصالات مع أصدقائه المُشغلين الإسرائيليين الذين جاءوا إلى المحكمة، وشهدوا له بأنه كان أمينا على مصالحهم، وكان يُخبرهم أول بأول عن العمال الذين يسرقون شواكيش ومسامير من مخازن الشركات الاسرائيلية، فيتم تسريحهم من العمل.

أتذكر هذه القصة الحقيقية الآن وأنا أقرأ توسلات مدير مكتب قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة وليد العمري للإسرائيليين، كي لا يسمحوا لحكومتهم بقتل حاملي الرسالة الإسرائيلية إلى العالم العربي باغلاق مكتب الجزيرة في اسرائيل.

قالها العمري صراحة في مقال نشره في صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام: “حتى ظهور قناة الجزيرة في العام 1996 لم ير معظم الجمهور العربي منذ ولادتهم إسرائيلي واحد على شاشة تلفاز، وفي ضربة واحدة استطاعت الجزيرة أن تأتي بآراء أخرى ومتنوعة لعرب وإسرائيليين”.

مضيفا: “لقد منحت الجزيرة إسرائيل منبراً مميزاً لإيصال وجهة نظرها إلى الجماهير العربية والإسلامية، وعلى الإسرائيليين أن يمنعوا حكومتهم من قتل حامل الرسالة”.

سيقول وليد العمري إنه كتب ذلك من باب الحنكة لتحريض الاسرائيليين على حكومتهم التي أغلقت مكتب الجزيرة، سيقول إن الدليل على حنكته أنه كتب مقاله في صحيفة اسرائيلية وباللغة الإنجليزية، وبالتالي لا شأن للنعاج العرب والفلسطينيين بهذا التكتيك.

خذوا الحنكة من لسان وليد وإسألوه: بما أنك تعرف كيف تحدد أدواتك بالوصول إلى جمهور معين، لماذا جلبت لنا أوفير جندلمان وأفخاي أدرعي ليتحدث لجمهور عربي على قناة عربية بلغة عربية يا سبع البرمبة؟

لم أكن أتخيل أنني سأضطر لكتابة مقال ضد زميل صحفي، لكنني _والحق يقال_ من أيام كنت طالبا في الجامعة وأنا “أتفلت” لطرح سؤال على وليد الذي جاء مرة لإعطاء محاضرة لكل طلاب الصحافة في جامعتي قبل حوالي 9 سنوات، فقلت لرئيس قسم الصحافة يومها: “لا تزعل لأنني سأطرح على وليد العمري سؤالا إن كان ما نسمعه عن خدمته في جيش الاحتلال صحيح أم لا؟”. قال لي رئيس القسم يومها: “هناك شيء أهم.. إسأله لماذا يبدو ناطقا بلسان الجيش الإسرائيلي في تغطيته”؟

لم يعجبني السؤال وقتها لأنني لم أكن أفهم بعد أن خطورة نقل رسالة العدو لملايين العرب أكبر من خطورة القتال بجانب العدو، ومع ذلك رفعت يدي في مدرجات ظافر المصري بجامعة النجاح، ولوَّحت كثيرا كي يُسمح لي بطرح سؤال على المحاضر الجنتل الصحافي وليد العمري، لكنني لم أستطع الحصول على المايك الذي كان ينتقل من يد طالب يسأل: “كم راتبك يا أستاذ؟”، إلى يد طالبة تسأل: “بتخفش وانت ورا الدبابة؟” ثم تضيف الطالبة توصية بريئة مع ضحكة للمضحوك عليهم: “بس دير بالك عحالك مالناش غيرك قدوة، ههههه”.

كان مفيدا أن تسحب الشرطة العمال من المواسير، وتُنزِلَ أبو خُشم عن الشجرة، لكي يفهموا خسارتهم عندما غطوا حارس مسامير إسرائيل بمعاطفهم ومنحوه علب اللحم والسجائر وصابونة. وكان مفيدا أن نكتشف بأن هناك خُشومٌ كثيرة تخاف على مصالح إسرائيل وتُثبِّتها بمسامير في عقل كل عربي، وتدق آخر مسمار في نعش إحترامهم لدى جمهور بات من الضروري أن يخرج من مواسيره.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة