الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

أبو حنيفة النعمان… مؤسس المذهب الحنفي وأبو الفقه الجماعي في الإسلام

وضع أبو حنيفة الأسس النظرية للفقه الإصلاحي والانخراط في سلك القضاء، وعمد خلالها إلى وضع نظام قضائي شرعي لتنظيم أحوال المسلمين في كل الأزمنة والعصور، ليستند إليه القضاة في حل قضايا الناس والفصل في فض النزاعات.

كيوبوست- أحمد الفراجي

يتموضع جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان الذي يضم قبره على ضفاف نهر دجلة، وهو أحد المساجد والمدارس الدينية التاريخية في العاصمة العراقية بغداد من جهة الرصافة، في منطقة الأعظمية، وهي تسمية مشتقة من لقب الإمام الأعظم.

تُعد مدرسة أبي حنيفة من أقدم وأبرز مدارس الفقه الإسلامي، وأحد أكثر المذاهب الأربعة انتشاراً بين المسلمين. بُني جامع أبي حنيفة عام 375 هـ، وفي عام 459 هـ/ 1066م، ثم بُني مشهد وقبة على القبر، وكذلك مدرسة كبيرة.

حياته

هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزباني الكوفي التيمي. ولد في الكوفة بالعراق عام 80 للهجرة (699 للميلاد)، كان أبوه تاجراً، وعمل مع والده منذ نعومة أظفاره، وأخذ الفقه عن مشايخ مكة المكرمة. ويعد من التابعين، لأنه أدرك جماعة من أصحاب رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم)، واعتمد أبو حنيفة في الفقه على القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع والقياس، والاستحسان، والعرف.

اقرأ أيضاً: هل يتجه الكونغرس الأمريكي لقطع المساعدات عن العراق؟

على الرغم من عمله بالتجارة منذ صباه، كان يحرص على التعلم والبحث والالتحاق بحلقات العلماء. واتجه آنذاك إلى دراسة وتعلم الفقه الإسلامي، حيث تتلمذ على يد شيخه العلَّامة حماد بن أبي سليمان 18 عاماً، وبعد وفاة الشيخ حماد سنة 120هـ -وهو أحد كبار فقهاء الكوفة- تولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى، حتى وضع الطريقة الفقهية التي اشتُق منها المذهب الحنفي.

أبو الفقه الإصلاحي

اشتهر مذهب أبي حنيفة بين الأئمة الذين اعتمدوا على الرأي والقياس، ووضع الأسس النظرية للفقه الإصلاحي، والانخراط في سلك القضاء، وعمد خلالها إلى وضع نظام قضائي شرعي لتنظيم أحوال المسلمين في كل الأزمنة والعصور، ويستند إليه القضاة في حل قضايا الناس، والفصل في فض النزاعات.

مرقد أبو حنيفة النعمان

 

وقال عامر سلمان العكيدي؛ الباحث المتخصص في تاريخ التشريع الإسلامي، إن مذهب أبي حنيفة النعمان يُعتبر مذهباً جماعياً، حيث إنه يطرح المسألة أمام طلابه، ويتداولون فيها ويسمع آراءهم جميعاً، ثم يقول هو رأيه في النهاية.

اقرأ أيضًا: العراق.. فضيحة فساد تاريخية ومخاوف من تمويل الإرهاب

ويشرح العكيدي لـ”كيوبوست” أن بيئة الكوفة، نظراً لدخول الكثير من الملل إلى الإسلام ووجود فئات من المغرضين والزنادقة، كانت بيئة غير صحية لرواية الحديث، وكذلك بسبب سعة المدينة وكثرة سكانها، فإن الوقائع الفقهية كانت كثيرة.

واضطر أبو حنيفة إلى التشدد في رواية الحديث خوفاً من الوقوع برواية الحديث الضعيف أو المكذوب وعوّض عن ذلك بالأخذ بالرأي والاجتهاد والقياس.

عامر العكيدي

ويضيف بأن المدرسة الحنفية تعد مؤسسة الفقه الجماعي في الإسلام، القائمة على المشورة والرأي. كما أن الفقهاء الحنفية تولوا القضاء في الدولة الإسلامية، واستخلصوا من الواقع كثيراً من مسائلهم، ولذلك فهو فقه قريب من الواقع، ويستطيع التعامل معه وفق القواعد التي وضعها هذا الإمام الكبير رحمه الله. هذه أهم خصائصه، والتي ميزت مدرسته الفقهية، والتي صارت فيما بعد مذهباً كبيراً واسع الانتشار في العالم الإسلامي.

ويمتاز المذهب الحنفي بالتجديد في الأفكار، واعتمد التعقل من دون الخروج عن المألوف، فهو احتوى المدارس المذهبية الفقهية التي تستند على الاجتهاد والرأي.

مواقفه

وخلال مسيرة حياته، تعرض أبو حنيفة إلى السجن مراتٍ عدة، لرفضه في زمن حكم الدولة الأموية العمل إلى جانب والي الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، بسبب ثبات موقفه من الدولة العباسية، وقد حُبس على إثرها.

وتكرر الموقف حين دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء، فامتنع ورفض بشدة، فأمر الخليفة المنصور بحبس الإمام الذي وافاه الأجل وهو في السجن.

إقامة صلاة التراويح داخل مسجد الإمام أبي حنيفة النعمان

ويذكر ليث العاني أستاذ قسم التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية، أن أبا حنيفة اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، وقال عنه الإمام الشافعي “من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة”، وقال عنه أبو نعيم “كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل، وحفظ القرآن الكريم في صغره، وكان يناظر أهل الإلحاد، وله حجج في ذلك، وكان تاجر حرير معروفاً”.

ليث العاني

وأضاف العاني في حديثه لـ”كيوبوست”: كان الإمام أبي حنيفة مهتماً بالعلم أكثر من التجارة، وتتلمذ على يد شيوخ أجلّاء، وأفنى عمره في البحث والتدريس، وقد أنشأ أول أكاديمية علمية للفقه الجماعي، أي أنه لا يتفرد بإعطاء رأيه في مسائل الفقه، وإنما يشرك الجميع من تلاميذه في إيجاد حل لتلك المسائل الفقهية، وهو أول من وضع أسس علم المستقبليات، بمعنى أنه كان يفكر في مسائل لم تحدث في زمانه بعد أن يضع لها حلولاً، وهو صاحب مقولة “كيف يصلي من كان في رحلة إلى الفضاء”. كان واسع العطاء وكان ينفق على تلاميذه.

انتشر مذهب أبي حنيفة في أصقاع العالم، ونُشر هذا المذهب عن طريق تلاميذه من مختلف البلاد الإسلامية. ويقول الذهبي “كان يحضر في مجلسه الفقهي ألف ألف رجل وامرأة من مختلف بلاد المسلمين”.

توفي الإمام أبي حنيفة عام 150 للهجرة (767 للميلاد)، ودفن في بغداد في مقبرة الخيزران في مدينة الأعظمية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات