الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس

كيوبوست – ترجمات

يعمل آرون زيلين باحثًا ضمن برنامج “ريتشارد بورو”، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كما أنه باحث زائر في قسم السياسة في جامعة “برانديز” في والثام، بولاية ماساتشوستس. من جانبٍ آخر، يعتبر زيلين من الباحثين المعروفين لكل من يعمل في المجال البحثي في حقل الدراسات الخاصة بالجماعات الجهادية أو أولئك الذين لديهم أي اهتمام قوي بهذا المجال. ويعرف عن زيلين أيضًا كونه مؤسس شبكة (Jihadology.net)، التي تعد مصدرًا وأرشيفًا أساسيًّا للمواد الأولية المتخصصة في الجماعات الجهادية العالمية.

قراءة كتاب زيلين بعنوان «أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس»، تتيح لنا فرصةَ تعلُّم الكثير حول هذا الموضوع المهم. في الواقع، ينبغي دراسة الكتاب وليس مجرد قراءته؛ لأن قراءته لن تكون كافية لاستيعاب الكم الهائل من المعرفة التي يقدمها الكتاب بين دفتيه.

غلاف الكتاب

الكتاب نتاج تسع سنوات من البحث المتعمق في موضوع الجماعات الجهادية التونسية، التي شكَّلت أيضًا الأساس لأطروحة الدكتوراه التي نالها زيلين. يحلل الكتاب تطور جماعة “أنصار الشريعة التونسية” منذ يناير 2011، وقت الثورة التونسية ضد الرئيس العلماني لتونس، زين العابدين بن علي، إلى أن تم حظر الجماعة في الدولة في أغسطس 2013. غير أن الكتاب لا يقف عند هذا الحد، بل يقدِّم كميةً كبيرة من المعلومات حتى منتصف عام 2019، ما يجعل القارئ ملمًّا بأحدث تطورات الجماعة.

الكتاب يذهب إلى أبعد من مجرد تقديم معلومات عن الأحداث الأخيرة، حيث يعرض بشكلٍ بارع السياق التاريخي لفترة ما قبل عام 2011، وهو أمر ضروري لفهم الحاضر واتجاهاته المستقبلية. يتسم الكتاب بميزة مهمة، وهي التركيز على تونس، وقرار المؤلف اختيار دولة واحدة ليس شائعًا في الدراسات المتعلقة بالجماعات الجهادية. ومن المفارقات أن تقليص نطاق البحث للتركيز على القضية التونسية لا يسمح لزيلين بالتعمق في الموضوع فحسب، بل أيضًا تقديم عرض أوسع لوضع “أنصار الشريعة”، وفروعها في شمال أفريقيا. وهكذا، يقدِّم الكتابُ مساهماتٍ حيوية في النقاش الدائر بشأن الجماعات الجهادية، والانتفاضات العربية، والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، في حين أنه يشكِّل أحد الدراسات الرائعة عن تونس والإسلام السياسي فيها.

اقرأ أيضًا: تونس.. هجوم إرهابي جديد وخطاب الكراهية في قفص الاتهام

إحدى نقاط الانطلاق المهمة لدراسة زيلين أنها، على عكس الروايات الشائعة داخل الدوائر الأكاديمية والإعلامية، تفترض أن المجتمع التونسي لم يكن أبدًا علمانيًا وعالميًا تمامًا. وفي حين أن الطبقات العلمانية في المجتمع أقوى في تونس عن مثيلاتها في الدول المجاورة الأخرى -حتى الحركة الإسلامية الرئيسة، حركة النهضة، تعتبر معتدلة (وليس بالمقارنة فقط)- فإن وصف تونس بأنها “علمانية” فحسب مضلِّل جدًّا.

ولعل خشية تنظيم “القاعدة” من أن يحجبه “الربيع العربي”، وغياب المشاركة الجهادية الكبرى في التحريض على هذه الاحتجاجات وإدامتها، التي أطاحت بأربع حكومات بسرعة، يُعضِّد هذا الرأي. لكن الجهاديين تمكنوا من استغلال التداعيات التي أفرزتها هذه الثورات: الفوضى وتحسن مناخ الحريات (العفو عن السجناء، وزيادة حرية التعبير، وما إلى ذلك).

راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي – أرشيف

يستعرض زيلين الطرق التي استخدمها الجهاديون لاستغلال هذه الظروف السياسية والاجتماعية غير المسبوقة، ما يسمح لهذه الجماعات بالعمل بطرق كانت تُعد مستحيلة في السابق، بما في ذلك تطبيق الدروس المستفادة من أخطاء الماضي.

ركَّزَت جماعة أنصار الشرعية على الدعوة، التي شكَّلت في البداية خروجًا بالغ الأهمية عن التكتيكات التقليدية التي استخدمتها الجماعات الجهادية في العالم. وفي وقتٍ لاحق، تبنَّت جماعات أخرى النموذج الرائد لأنصار الشريعة، فوضعتِ الدعوةَ في قلب أنشطتها. هذا الأمر ينطبق على جماعات أنصار الشريعة في ليبيا ومصر، ومختلف الجماعات الجهادية في سوريا، وبعض الجماعات التي تدور في فلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

المَعْلَم النظري الثاني في هذا الكتاب، الذي يتقاسمه زيلين مع عالمة السياسة الأميركية إريكا شينويث، هو طرح فرضية أن تشهدَ الديموقراطياتُ الانتقالية، والهشة نسبيًّا، ذاتُ المؤسساتِ غير المتسقة داخليًّا، إرهابًا محليًّا أكثر من الديموقراطيات المتقدمة والأنظمة الاستبدادية. ومما لا شك فيه أن مسار تونس قد أثبت ذلك.

اقرأ أيضًا: رغم التفجيرات وتدهور الحالة الصحية للرئيس.. العملية السياسية تمضي قدمًا في تونس

مقدمة الكتاب تقدم استعراضًا ممتازًا للأدبيات المتعلقة بنمو الخدمات الاجتماعية الجهادية، والنقاش حول الجهاد الذي له قائد مقابل الجهاد بلا قائد، الذي أثاره التراشق الأكاديمي بين مارك ساجمان، وبروس هوفمان، الذي بدأ في عام 2008 بعد نشر كتاب سيجمان بعنوان «جهاد بلا قادة: شبكات الإرهاب في القرن الحادي والعشرين». وعلى نطاق أوسع، يحلل وضع زيلين تطور الدراسات الجهادية، وهو حقل لا يزال إلى حد كبير قيد التطوير.

يتألف الكتاب من أحد عشر فصلًا، ووفقًا للمؤلف نفسه، يمكن تقسيم المحتوى بشكل فعّال إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسة: أولًا، تحليل الظروف التاريخية في فترة ما بعد الثورة التي ساعدت في تطور جماعة أنصار الشريعة. وثانيًا، تناول النهج الاستراتيجية لجماعة أنصار الشريعة، وأنماطها في حشد الموارد، مثل خطاب الجماعة واتصالاتها، وبالتالي اعتماد منهجيات بحثية نموذجية لنظرية الحركة الاجتماعية، ونُهج العملية السياسية. وثالثًا، التدقيق في التطورات اللاحقة لتصنيف جماعة أنصار الشريعة منظمة إرهابية في صيف عام 2013، وحشد أولئك الذين سيصبحون فيما بعد مقاتلين إرهابيين أجانب، وتجدد حملة الإرهاب المحلية.

مؤلف الكتاب

أما الفصل الأخير، الذي يأتي بعنوان “مستقبل الحركة الجهادية التونسية”، فهو غنيٌّ بالأفكار الثاقبة لأنه يطرح عددًا من الأسئلة حول القضايا البالغة الأهمية التي يجب معالجتها في السنوات القليلة المقبلة، من المنظورين السياسي والبحثي. تتراوح هذه القضايا بين المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين من العراق وسوريا وليبيا، إلى الحركات المتطرفة داخل السجون التونسية، ومرورًا بالدول والمناطق الجديدة التي يمكن للجهاديين التونسيين الوصول إليها في المستقبل إلى التطور أو الطفرة المحتملة للحركة محليًّا، ومن الإرهاب والتمرد إلى الحراك الاجتماعي.

بعد تقديم الاستنتاجات المتعلقة بمستقبل المشهد الجهادي التونسي، يقدِّم الكتاب قائمةً من المصطلحات التي تتناول المفاهيم التي تنطوي على تعقيدات شديدة في حقل الدراسات الجهادية، مثل الإسلاموية، والسلفية، والجهاد، والجهادية-السلفية، والدعوة، والحسبة، ويتناول هذه المفاهيم في إطار مجموعة من التحليلات للتعريفات المتنوعة التي قدمها باحثون من خلفيات ووجهات نظر مختلفة.

اقرأ أيضًا: “اغتصاب طالبة وإصابتها بالشلل” تهز المجتمع التونسي

من وجهةِ نظرٍ منهجية، استند هذا البحث التاريخي في المقام الأول إلى تحليلٍ نوعي وتتبع العمليات، إلى جانب بعض التقييمات الكميّة الأساسية. ويعتمد الكتابُ على عددٍ هائل من المصادر التي لم تستخدم من قبل، معظمها ببساطة غير معروف لمعظم الباحثين، لا سيما السير الجهادية القديمة التي تعود لفترتي الثمانينيات والتسعينيات، ومجموعة متنوعة من وثائق المحاكم من الاتحاد الأوروبي، وبلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

تشمل المصادر الأولية جميعَ ما تم إصداره علنا من قبل جماعة أنصار الشريعة. ولقد كان زيلين بعيدَ النظر بما يكفي حقًّا لجمعِ وأرشفة أكثر من 18,000 ملف على مر تلك السنوات. والجدير بالذكر أن الجماعة استخدمت حتى الآن 94 صفحة على فيسبوك وأكثر من 10 حسابات على تويتر، حيث حاولت كلٌّ من شركتي فيسبوك وتويتر إزالة تلك المحتويات لأنها تنتهك شروط الخدمة.

هناك مصدر آخر لا يقدَّر بثمن يعتمد عليه الكتاب هو سلسلة من الرحلات البحثية إلى تونس قام بها المؤلف بين عامي 2012 و2019، التقى فيها بأعضاء من جماعة أنصار الشريعة في مدن وقرى مختلفة في جميع أنحاء البلاد، ومع مقاتل أجنبي عاد من سوريا.

اقرأ أيضًا: بعد يوم من التفجيرات والشائعات.. الهدوء النسبي يعود إلى الشارع التونسي

مجموعة الأبحاث المذهلة الواردة في هذا الكتاب، وإعادة تصنيفها بشكلٍ تاريخي دقيق وجذابة في آن واحد، والعمل الميداني الدقيق الذي يستند إليه -إلى جانب الدقة الملحوظة في انتقاء المفردات- تجعل من هذا الكتاب أحد أفضل الأعمال في مجال الدراسات الجهادية.

وختامًا، فينبغي أن يكون كتاب «أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس» ضمن الكتب التي يحرص الباحثون في شؤون الإرهاب بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، على اقتنائها.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة