الواجهة الرئيسيةصحة
أبعد من أساطيرنا حول “كورونا”.. أوبئة الألفية الأولى غضبٌ من الآلهة!

كيوبوست – مدى شلبك
لم يتمكَّن العلماء بعد من الكشف عن المصدر الحقيقي لفيروس كورونا، إلا أن جهودًا مبذولة تحاول الوصول إلى المسبب. في البداية أُشيع أن الخفافيش هي مصدر الفيروس، بينما اعتقد آخرون أن آكل النمل الحرشفي المهدد بالانقراض، هو مبعث الفيروس، ومؤخرًا استنتجوا أن فيروس كورونا جاء نتيجة اختلاط فيروسَين؛ أحدهما يُصيب الخفافيش والآخر يصيب آكل النمل الحرشفي.
فعلى عكس الأسلوب الحالي في تقصِّي المعلومات عن طريق العلم والتكنولوجيا، أرجع الإنسان في الحضارات القديمة سبب الأوبئة إلى قوى ميتافيزيقية؛ فمثلًا اعتقد معظم الفراعنة أن الأرواح الشريرة هي السبب، أو أن الأوبئة والأمراض ما هي إلا تجسيد لغضب الآلهة. خلال الألفية الأولى انتشرت أوبئة في بقع جغرافية متفاوتة، فكيف فسَّرت الشعوب حدوثها؟
اقرأ أيضًا: الإنفلونزا الإسبانية.. أم جميع الأوبئة الحديثة
الطاعون الأنطوني
صاغ الطبيب اليوناني جالين، كلمة “الطاعون” كمرادف لوصف المرض الفتاك سريع الانتشار، وسُمِّي الطاعون الأنطوني نسبة إلى السلالة الأنطونية التي حكمت الإمبراطورية الرومانية حينها، وبدأ الوباء في الانتشار منذ عام 165م حتى 180م، في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، متسببًا في وفاة 2000 شخص يوميًّا، ودمار الجيش الروماني بالكامل؛ حيث قُدِّر عدد ضحاياه بـ5 ملايين شخص.
وبقدر حجم الفاجعة، كان للمرض تأثيرٌ على الأدب الروماني، كما أنه أثَّر ولأول مرة على العلاقات التجارية بين الهند والإمبراطورية الرومانية. ووَفقًا لأعراضه المذكورة يُعتقد أنه هو ذاته مرض الجدري أو الحصبة، دون أن تتضح أسبابه.
اقرأ أيضًا: التغير المناخي والأوبئة الجديدة.. هل نحن مستعدون؟
كانت بؤرة المرض، عندما قام الجنرال الروماني لوسيوس فيروس، بحصار مدينة “سلوقية” في العراق، فأُصيب جيشه بالوباء، وانسحب، آخذًا معه العدوى إلى باقي أنحاء الإمبراطورية. وخلال انطلاق الوباء نَمَت حوله ثلاث أساطير؛ أولاها أنه كان عقابًا لأن الرومان سابقًا كانوا قد وعدوا الآلهة بعدم نهب المدينة، إلا أنهم أخلفوا الوعد وفعلوا العكس.
أما الرواية الثانية فافترضت أن جنديًّا رومانيًّا فتح النعش الذهبي في معبد الإله “أبوللو” في بابل؛ ما سمح للطاعون بالفرار، في حين لام الرومان الوثنيون أعداءهم المسيحيين، معتقدين أنهم أثاروا غضب الآلهة، حسب الرواية الثالثة.

طاعون جستنيان
ظهر طاعون جستنيان خلال عهد الإمبراطور جستنيان الأول، عام 541م، في المقاطعات الخارجية للإمبراطورية البيزنطية، وتحديدًا على ضفاف نهر النيل، وبعد عام وصل إلى القسطنطينية، واستمر في التفشِّي في منطقة البحر المتوسط لمدة 225 عامًا، وتوقف انتشاره أخيرًا في عام 750م، بعد أن حصد ملايين الأرواح، وقضى على 50 مليون إنسان (نصف سكان قارة أوروبا). كانت وسيلة انتقال المرض من خلال الجرذ الأسود، الذي سافر عبر سفن الحبوب والعربات المرسلة إلى القسطنطينية، قادمًا من شمال إفريقيا، المصدر الرئيسي للحبوب بالنسبة إلى الإمبراطورية.

في كتابه “التاريخ السري” يروي المؤرخ بروكوبيوس، أن الإمبراطور جستنيان هو السبب في إفشاء الطاعون، ذاكرًا أن جستنيان إما أن يكون شيطانًا وإما أنه كان يُعاقب من قِبَل الله بسبب أساليبه الشريرة.
أما في ما يتعلق بطرق العلاج فلم تغِب الخرافة، فإلى جانب العقاقير المختلفة، خصوصًا القلويات، والحمامات الباردة، لجأ المصابون إلى المساحيق المباركة من قِبَل القديسين والتمائم والخواتم السحرية. وبعد فشل جميع الأساليب السابقة في العلاج، ذهبوا إلى المستشفيات وخضعوا للحجر الصحي، وحتى مَن شُفي منهم فقد عزا نجاته من الموت إلى الحظ!
ما وراء الطبيعة
عند تتبع الأخبار الموثوقة حول فيروس كورونا، قد نعتقد أن زمن الأساطير قد انتهى في القرن الـ21، وأن العلم هو صاحب الكلمة الفصل؛ لكن في حال تتبعنا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد أنها تنشر أفكارًا غيبية لتفسِّر من خلالها شيوع الفيروس، وهناك مَن يتبنَّى هذه التفسيرات عبر الصفحات الشخصية؛ فمثلًا راجت مع بداية ظهور الفيروس فكرة مفادها أنه عقاب وانتقام الله من الصين أو غضب رباني، وأنه لا يُصيب المسلمين، وعندما وصل إلى بلاد المسلمين أصبح ابتلاءً؛ لأن الله يبتلي مَن يحب! وهنا يأتي السؤال: لماذا لا يزال البعض يربط الظواهر الطبيعية بالأسباب الدينية؛ بتفسيرات تشبه تلك التي وضعت قبل ألفَي عام؟
اقرأ أيضًا: الحرب البيولوجية منذ عصر اليونان حتى “كورونا”
قد يميل البعض إلى التفسيرات الغيبية؛ لابتعادهم عن العلم أو نتيجة ارتباطاتهم الدينية، فيعزون الظواهر والأمراض والأوبئة إلى قوى غيبية، وجميعها تفسيرات قديمة وجاهزة توفر لهم جانبًا من الراحة؛ لأن إيكال كل نتيجة إلى سبب غيبي يوفر بذل طاقة في سبيل التفكير والبحث لكشف الحقيقة، وهذا ما يعتبره الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم، حالة طبيعية في أعماق الإنسان؛ لأن الميل إلى تصديق المعجزات، من وجهة نظره، يأتي بدافعَي الخوف والعبودية. وهذان الدافعان (الخوف والعبودية)، وَفقًا لهيوم، يفضيان إلى الاستمرارية والطمأنينة؛ لكن ليست لهما علاقة كبيرة بالحقيقة.