الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
أبراهام بورغ: “لماذا قررتُ التنازل عن يهوديتي؟”
الرئيس الأسبق للبرلمان الإسرائيلي يتحدث إلى موقع "ميديا بارت" الفرنسي: أنا أعيش في مجتمع أتمنى أن أراه يوماً ما يقبل بتقاسم المصير مع الآخرين

كيوبوست – ترجمات
ترجمة: د.نور الدين تليلي- أستاذ وباحث متخصص في التاريخ
يُعتَبَرُ أبراهام بورغ من قامات “الأرستقراطية الصهيونية”؛ حيث إنه تقلَّد مناصب عليا في الدولة العبرية؛ مثل رئاسة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، والوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية. في حديثٍ أدلى به إلى موقع “ميديا بارت” الفرنسي، يشرح أبراهام بورغ، الأسباب التي دفعته إلى مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالكفِّ عن اعتباره مواطناً يهودياً.
في كتابه بعنوان «لننتصر على هتلر» الذي صدرت نسخته الفرنسية سنة 2008 كتَبَ أبراهام بورغ ما يلي: “ظَلَلْتُ لمدة طويلة مواطناً إسرائيلياً مثالياً”. ففي نظر مواطنيه يُجسِّد بورغ مثال المواطن الإسرائيلي الذي ينتمي إلى “الأرستقراطية الصهيونية” التي حكمت دولة إسرائيل منذ تأسيسها سنة 1948.
ينحدر أبراهام بورغ من أب كان من أوائل مؤسسي الحزب القومي الديني في إسرائيل. كما شغل والده منصب نائب في الكنيست الإسرائيلي لمدة تقارب أربعة عقود؛ بل وتقلَّد في ثلاث مناسبات مناصب وزارية مهمة في حكومات إسرائيل المتعاقبة.
اقرأ أيضًا: يهودا باور لـ”كيوبوست”: الحرب العالمية الثانية كانت وراءها رغبة ألمانيا النازية في هزيمة اليهودية العالمية
بعد أن أنهى دراسته العليا في مجال العلوم الاجتماعية بالجامعة العبرية في القدس، انخرط أبراهام بورغ في وحدة للمظليين تابعة للجيش الإسرائيلي، قبل أن يصبح عضواً في حزب العمل. سنة 1985 أصبح مستشاراً لشمعون بيريز؛ رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبقي في هذا المنصب نحو ثلاث سنوات قبل أن يُنتخب كنائب في الكنيست الإسرائيلي. بعد نهاية عهدته النيابية سنة 1995 تَرَأَّس أبراهام بورغ تباعاً الوكالة اليهودية، ثم المنظمة الصهيونية العالمية.
عاد أبراهام بورغ إلى الحياة السياسية سنة 1999 كرئيسٍ للكنيست الإسرائيلي. كما أنه تقلَّد سنة 2000، ولفترة مؤقتة، منصب رئيس الدولة بالنيابة. بعد فشله بالفوز برئاسة حزب العمل قرَّر هذا “الإسرائيلي المثالي” ذو المسيرة المتميزة، الانسحاب من أتون السياسة، والابتعاد عن ماضيه الصهيوني، حتى إن كلَّفَه ذلك تَنَصُّل العديد من أصدقاء الأمس له، والذين لم يترددوا في انتقاد “نزعته اليسارية المتشددة”.
في مقالٍ نُشِر على أعمدة صحيفة “يديعوت أحرونوت” سنة 2003، كتب أبراهام بورغ أن “الثورة الصهيونية قد ماتت”، وأن دولة إسرائيل التي أصبحت في نظره “غيتو صهيوني” مهدَّدَة بالزوال يوماً ما بسبب تبنّيها هوية يهودية أحادية، والتنكّر لتنوّعها الثقافي والعرقي. كما يعتبر بورغ أنه كان من الأفضل أن يتخلى اليهود نهائياً عن المشروع الصهيوني غداة تأسيس دولتهم سنة 1948. هذه النظرة النقدية اللاذعة إزاء الصهيونية دفعت هذا “الإسرائيلي المثالي” إلى التقدُّم مؤخراً إلى المحكمة العليا بالتماس يطلب من خلاله الإذن بشطب كلمة “يهودي” من بيانات هويته المدنية التي تحتفظ بها وزارة الداخلية الإسرائيلية.

فالقانون الإسرائيلي الحالي يفرِّق بين المُواطَنَة والجنسية؛ فمثلاً في الوثائق الرسمية، وعلى سجلات السكان، يتم التنصيص على جنسية المواطنين الإسرائيليين بكلماتٍ تُحيلُ إلى أصولهم العرقية والدينية؛ مثل “يهودي”، “عربي”، “درزي”.. وليس كلمة “إسرائيلي/ إسرائيلية” التي كان من المُفترض أن تُشير إلى مواطِنِيَّتهم.
في هذا الإطار نشير إلى أنه في سنة 2011 نجح الكاتب الإسرائيلي يورام كانيوك (1930-2013) -والذي كان يقول في كتاباته إن اليهودية في إسرائيل هي نمط من العنصرية- في إقناع محكمة إسرائيلية بشطب كلمة “يهودي” من سجله المدني، وتعويضها بعبارة “لا دين له”.
في هذا الحوار يشرح لنا أبراهام بورغ خفايا قراره بالسير على خطى مواطنه يورام كانيوك؛ قصدَ سحب صفته كيهودي من بيانات سجلات السكان الرسمية.

♦لماذا طلبتم من المحكمة العليا الإذن بشطب صفة “يهودي” من بيانات هويتكم الرسمية؟
أبراهام بورغ: لقد قمتُ بإيداع هذا الطلب لدى المحكمة؛ لأنني لم أعد أشعر بأنني أنتمي إلى الكيان اليهودي. كما أنني أصبحت مقتنعاً بأن مواطنيَّتي لا يجب أن تنحصر فقط في “يهوديتي”. فوثيقة إعلان استقلال (تأسيس) إسرائيل الصادرة سنة 1948 والتي تُعَدُّ بمثابة وثيقة ترتقي إلى مرتبة إعلان دستوري، تحتوي على مبادئ وتوازنات مهمة؛ أولها أن دولة إسرائيل هي دولة يهودية تستقبل جميع اليهود القادمين من الشتات، لكنها لا تمارس أي تمييز إزاء سكانها من غير اليهود. كما أنها تنص على ضمان المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكان الدولة دون تمييز.
هذا التصوُّر لمسألة الحقوق الأساسية لسكان إسرائيل الذي تضمنته وثيقة إعلان الاستقلال، ولأنه تصوُّر غير متكامل الأركان فهو يترجم إصرار الآباء المؤسسين على ضبط إطار قانوني كان من المُفترض أن يسمح لجميع سكان إسرائيل بالتعايش والتمتع بنفس الحقوق، بقطع النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي.
لكن بعد مصادقة الكنيست سنة 2018 على قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل” تغيَّرتِ الأمور. فوفقاً لهذا القانون الجديد أصبح تعريف إسرائيل يقتصر على أنها دولة قومية للشعب اليهودي فقط؛ وهو ما يعني أن أي مواطن إسرائيلي غير يهودي يُعتبر في نظر هذا القانون مواطناً من درجةٍ ثانية؛ مثله مثل كثير من اليهود الذين عانوا قوانين تمييزية جائرة فرضتها بعض الدول التي كانوا يعيشون فيها قبل الهجرة إلى إسرائيل.
اقرأ أيضًا: متى ينال اللاجئون اليهود من الدول العربية العدالة التي يستحقونها؟
فالذي كنا نعانيه بالأمس في الشتات نحن الآن بصدد فرضه على مواطنينا من غير اليهود؛ وهو ما يعني أننا كيهود ابتعدنا فعلاً عن روح ومبادئ وثيقة إعلان الاستقلال التي نصَّت على المساواة بين جميع سكان الدولة بقطع النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي.
إن قانون 2018 هو بمثابة إطار جديد يحدد العلاقة بين أغلبية يهودية وأقلية غير يهودية. وشخصياً كان وَقْعُ هذا القانون على وجوديتي وهويتي شديداً؛ فأنا أرفض أن أنتمي إلى كيان يميِّز بين مواطنيه على أساس الدين والعرق، ويعطي للمواطنين اليهود أولوية في قيادة الدولة والتمتع بالحقوق الاجتماعية والسياسية، وفي نفس الوقت يتم تهميش بقية المواطنين من أصول غير يهودية.
♦لماذا تريدون الانسلاخ عن الشعب اليهودي؟
أبراهام بورغ: كيف يمكن تعريف مَن هو يهودي؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. هل يتم تعريف اليهودي على أساس انتمائه الديني أم ثقافته اليهودية؟ وأية ثقافة يهودية نعني؟ هل هي ثقافة آبائي وأجدادي الذين عاشوا في الشتات أم تلك السائدة حالياً في دولة اليهود إسرائيل؟
اقرأ أيضًا: نزوح إسرائيل الجديد: اليهود يغادرون!
أنا أعتقد أن اليهودي هو الذي ينتمي تاريخياً إلى كيان لطالما حَلُمَ أفراده بالعيش تحت راية المساواة بقطع النظر عن اختلافاتهم الثقافية، وأصولهم العرقية. فغداة تأسيس دولة إسرائيل كنا نطمح إلى العيش كمواطنين متساوين في الحقوق رغم اختلافاتنا الثقافية. وأشير هنا إلى أنني عندما بدأت مسيرتي السياسية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، تبنيتُ مبدأين اثنين ما زلتُ متمسكاً بهما إلى اليوم؛ وهما الفصل بين الدين والدولة، وإنهاء الاحتلال.
قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل” يمحو كل التوازنات التي جاءت بها وثيقة إعلان تأسيس إسرائيل؛ فتعريف كيان دولة إسرائيل الذي جاءت به هذه الوثيقة، تم تجاوزه تحت وطأة القانون الجديد. فوفقاً لهذا القانون، أصبح اليهود في إسرائيل يمثلون أغلبية ترفض لغير اليهود -وهم يمثلون أقلية- مبدأ المساواة في الحقوق. نعم هذه الأقلية يمكنها أن تنعم بحريتها الثقافية والدينية؛ لكن ليس من حقها التمتع بنفس حقوق المواطنين اليهود.
هذا التعريف الجديد لكيان دولة إسرائيل لا يناسبني، ولا يتوافق مع مبادئي الأخلاقية، ولا مع قناعاتي الفلسفية، وأرفض أن يتم الزجّ بهويتي في كذا تَصَوّرٍ لمسألة المواطنة في بلدي؛ لهذا أنا أتوجه إلى دولة إسرائيل بالكلمات التالية: “أنا لا أنتمي إلى شعبكم اليهودي الجديد. لذا أنا ألتمس من المحكمة الإذن بشطب يهوديتي من بيانات سجلات المواطنين اليهود الذين يتم تعريف مُواطَنَتهم بالاعتماد فقط على يهوديتهم. أنا يهودي تاريخي؛ أي أنني أؤمن بالمساواة والعالمية، وحقوق الإنسان، خصوصاً تلك التي تخصُّ الأقليات. أرفض أن أنتمي إلى هذه اليهودية الجديدة التي فرضها صنَّاع قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل”.

♦حسب تقديركم، هل ماتت فعلاً “الثورة الصهيونية” مثلما رَدَّدْتُم ذلك مراراً؟
أبراهام بورغ: لقد نشرتُ مقالاً حول هذه المسألة سنة 2003، وكان ذلك بمثابة نبوءة هي بصدد التحقق الآن بعد إقرار قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل”. قلت آنذاك لآرييل شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلية، إن إسرائيل يجب عليها أن تختار واحداً من بين هدفين اثنين لا يمكن الجمع بينهما: إما تحقيق “إسرائيل الكبرى”، وإما الديمقراطية؛ لكن من سوء الحظ عِوَضاً عن الحقوق الديمقراطية فضَّل معظم الإسرائيليين إسرائيل التوراتية. ونبوءتي هذه هي بصدد التحقق يوماً بعد يوم؛ حيث إن الديمقراطية الإسرائيلية ما انفكت تنحرف عن مسارها الذي رسمه الآباء المؤسسون. كما أن دولة إسرائيل بقيادة نتنياهو هي بصدد الابتعاد عن مبادئ التأسيس هذه. فنظامنا السياسي الذي تم خَلْقُ لَبِنَاتِه الأولى سنة 1948 أخذ منعرجاً خطيراً، وهو بصدد الانحراف عن مساره الديمقراطي، وتحويل إسرائيل إلى دولة غير ليبرالية.
هذا الانحراف الخطير ما فَتِئْتُ أتصدَّى له دون هوادة؛ ليس بالوسائل السياسية -فأنا لم أَعُدْ أشغل أي منصب سياسي- ولكن بأدواتٍ فكرية وأخلاقية وفلسفية. أنا مقتنعٌ بأن مفهوم الدولة القومية للشعب اليهودي يمثل خطراً حقيقياً على إسرائيل نفسها؛ لذا فمن مصلحة الجميع التصدِّي له.

ما أخشاه في قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل” ليس فقط مسألة التمييز التي تمارسها الدولة ومؤسساتها إزاء المواطنين العرب في إسرائيل؛ ولكن أيضاً رغبة صنَّاع هذا القانون في الابتعاد عن مبادئ التأسيس التي صاغها الآباء المؤسسون سنة 1948 والعمل على إقامة مشروع صهيوني جديد قائم على مبدأ تفوُّق العنصر اليهودي، وتحكُّم مجموعة من المُنتخبين الدينيين، وهيمنتهم على صناعة القرار في إسرائيل. أنا أرفض أن تقوم سلطة ما بتحديد مكونات هويتي، وفي نفس الوقت تطالبني ذات السلطة بالخضوع لمثل هذا القانون.
♦ماذا سيغيِّر قرار المحكمة العليا في حياتكم اليومية؟
أبراهام بورغ: لا شيء بالتحديد؛ لكن الأمر يتعلق بمكونات هويتي؛ أريد أن أعيش حياة لا يمكن لأيٍّ كان أن يتدخَّل فيها ويحدِّد مَن أكون أنا. ما فتئ الكثير من حولي يسألني: ها أنت يهودي أرثوذكسي؟ أَأَنْتَ يهودي ملتزم بواجباتك الدينية أم أنت يهودي متحوّل عقائدياً؟ إجابتي تبقى واحدة: أنا يهودي بروتستانتي…
♦ماذا تعنون بعبارة “يهودي بروتستانتي”؟
أبراهام بورغ: أعني بذلك أنني أنا المسؤول الوحيد عن أفعالي، بما فيها تأويل النصوص التوراتية، والالتزام بالوصايا العشر؛ فمن أجل تحقيق ذلك لا حاجة لي بالاستناد إلى فتاوى مَجْمَعٍ كهنوتي أو ما يُعادِل بابا الكنيسة الكاثوليكية لكي أحدِّد هويتي الدينية. فأنا أنتمي إلى يهودية مغايرة لليهودية التي يريد صنَّاع قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل” فَرْضَهَا على الجميع. فيهوديتي هي عِمَادُ هويتي الثقافية والروحية؛ ولكنني أرفض أن تقوم سلطة ما بتحديد مكونات هويتي الشخصية.

♦كيف تفسِّرون سهولة المصادقة على قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل”؟
أبراهام بورغ: كما تعلمون منذ تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، قام الكنيست الإسرائيلي بسنّ العديد من القوانين التي لا يأبه لها كثيراً المواطنون الإسرائيليون؛ فقانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل” هو قانون له رمزية خطيرة، حيث تمت صياغته والمصادقة عليه من قِبل مجموعة من النواب المُمَثِلين للأحزاب الدينية والقومية، ولشرائح معينة من المجتمع الإسرائيلي.
شخصياً أنا أعتقد أن هذا القانون لا يعكس فقط هيمنة أحزاب سياسية معينة على صناعة القرار في إسرائيل؛ بل كذلك هشاشة تصور ذات الأحزاب لمسألة المواطَنَة والهوية اليهودية وعدم الثقة في مشروعية قانون ما انفكت هذه الأحزاب الدينية تدافع عنه بكل قوة.
والدليل على ذلك عجز هذه الأحزاب على إقناع المواطنين الإسرائيليين بمشروعية هذا القانون التمييزي؛ خصوصاً إصرارهم على فرض قانون على المجتمع الإسرائيلي بأسره، دون مراعاة لتنوعه الثقافي والديني. فلا ميزة لهذا القانون سوى إتاحة الفرصة لهذه الأحزاب الدينية والقومية لكي تواصل السيطرة على دواليب الدولة، والهيمنة على قراراتها المصيرية.

أنا أعيش في مجتمع أتمنى أن أراه يوماً ما يَقْبَلُ بتقاسم المصير مع الآخرين، وأن يتخلى نهائياً عن ثقافتَي الهيمنة والتمييز اللتين أرفضهما بشدة. أنا مقتنع بأن هذا القانون هو من صنع اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية والحركات السياسية المتشددة. إنه بمثابة معركة مصيرية بين قوى ليبرالية وقوى محافظة في إسرائيل؛ لكن هذا النوع من المواجهة لا يقتصر فقط على إسرائيل، بل يشمل دولاً أخرى؛ مثل تركيا وروسيا وهنغاريا وبولونيا والولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: ما حقيقة العلاقة بين العنصرية والتطرف؟
♦متى ستصدر المحكمة قرارها؟
أبراهام بورغ: أخشى أن يأخذ المسار القضائي وقتاً طويلاً؛ فأولاً يجب على المحكمة العليا في إسرائيل أن ترفض جميع الطعون المقدَّمة ضد قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل”. بعد ذلك يجب على ذات المحكمة أن تحدِّد جلسة علنية للنظر والتداول في التماسي الذي قدمته واتخاذ قرار نهائي بشأنه.
فحتى الآن يرفض الكثير من القضاة في إسرائيل الخوض في مسألتَي الهوية والمُواطَنَة القائمتَين على أساس ديني وعرقي؛ نظراً لتشعبهما وصعوبة اتخاذ قرار يرضي الجميع. فما أطالب القضاءَ بالبتّ فيه هو بمثابة تَحَدٍّ يجب رفعه؛ فأنا أتوقَّع أن يأخذ المسار القضائي وقتاً طويلاً، لكنني متأكد أن قرار المحكمة النهائي حول هذه المسألة سيكون “تاريخياً” بأتم معنى الكلمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قانون “الدولة القومية لليهود في إسرائيل”
تمت المصادقة عليه في 19 يوليو 2018 من قِبل 62 نائباً ومعارضة 52 (من أصل مجموع 120 نائباً يمثلون الكنيست) وبدعم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. يقوم هذا القانون على المبادئ التالية:
- أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي الذي أُقيمت عليه دولتهم.
- دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي الذي يتمتع بحقه الطبيعي والتاريخي والثقافي والديني في تقرير مصيره.
- حق تقرير المصير في دولة إسرائيل ينطبق فقط على الشعب اليهودي.
فهذا القانون لا يتعرَّض بالذكر إطلاقاً للمواطنين العرب، كما أنه يتنكرُ للمبادئ الديمقراطية التي تضمنتها وثيقة إعلان استقلال (تأسيس) دولة إسرائيل سنة 1948. يقول أحمد الطيبي؛ النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي: “هذا القانون ينص على قيام دولة ذات نظامَين منفصلَين: نظام يحمي المواطنين اليهود، ويُعطيهم أولوية في الحقوق، ونظام آخر يخص مواطنين من درجة ثانية؛ وهم العرب الفلسطينيون… إن إسرائيل أصبحت رسمياً دولة فصل عنصري قائمة على فكرة تفوُّق العنصر اليهودي”.
المُوَاطَنَة والجنسية
في القانون الإداري الإسرائيلي لا يتداخل مفهوم المُوَاطَنَة مع التعريف القانوني لمفهوم الجنسية الإسرائيلية؛ ففي خانة الجنسية التي نجدها في وثائق الحالة المدنية، وسجلات السكان في إسرائيل، لا يتم التنصيص على جنسية المواطنين بكلمة “إسرائيلي/ إسرائيلية”؛ بل بكلمات تُحيلُ أصحابها إلى أصولهم الدينية والعرقية، مثل “يهودي/ يهودية”، “عربي/ عربية”، “درزي/ درزية”…
في السنوات الأخيرة، تقدم مواطن إسرائيلي بالتماس إلى المحكمة العليا في إسرائيل، يطلب من خلاله الإذن بتغيير كلمة “يهودي” التي تُحِيلُ إلى جنسيته، وتعويضها بكلمة “إسرائيلي”. لكن المحكمة رفضت طلبه معللةً ذلك بأنه لا توجد جنسية إسرائيلية أصلاً، وأنه لا يجوز اختلاق وضعية مدنية لا وجود لأثر لها في النصوص القانونية لدولة إسرائيل.
في سنة 2011، قام الكاتب الإسرائيلي يورام كانيوك (1930-2013)، الذي ربط اليهودية في إسرائيل بالعنصرية، بالتقدم إلى ذات المحكمة بطلبٍ يلتمس من خلاله إجازة سحب كلمة “يهودي” من بياناته الشخصية، وتعويضها بعبارة “لا دين له”؛ وهو ما أجازه قضاة المحكمة.
المصدر: ميديا بارت