الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
آبي أحمد.. بطل إثيوبيا الجديد
ضابط المخابرات الذي نجح في احتواء الداخل ومصالحة الخارج

كيوبوست
أحمد عدلي
من ضابط بالمخابرات إلى وزير اتصالات في حكومة ديسالين إلى رئاسة الحكومة الإثيوبية، ثم الفوز بجائزة نوبل للسلام كأول إثيوبي يفوز بالجائزة العالمية.. هكذا جاءت مسيرة آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، صاحب الـ43 عامًا الذي دخل التاريخ الإفريقي من أوسع أبوابه، ليس فقط للوساطات والمصالحات التي قام بها خلال 18 شهرًا فقط هي فترة حكمه التي بدأت في أبريل 2018، ولكن لحصوله على جائزة نوبل للسلام عن العام الحالي.
تبنَّي آبي أحمد، منذ وصوله إلى السلطة، استراتيجية إصلاحية واضحة مختلفة عمن سبقوه في المنصب؛ سواء ميليس زيناوي الذي بقي على رأس السلطة 21 عاما، أو خلفه هايلي مريم ديسالين الذي أُجبر على التخلي عن السلطة بعد سنوات عجاف عاشت فيها إثيوبيا اضطرابات داخلية؛ نتيجة تصاعد الاحتجاجات القبلية، خصوصًا من قوميتَي الأورومو والأمهرة اللتين يمثل سكانهما ثلثَي عدد السكان، ضد التيجراي التي تسيطر على السلطة والثروة.

يخطو رئيس الوزراء الإثيوبي خطواته بشكل سريع، ساعيًا نحو مزيد من الاستقرار الداخلي، فرغم أنه أول رئيس وزراء ينتمي إلى الأورومو؛ فإنه نجح في استيعاب أزمة التعددية داخل النظام الفيدرالي للحكم الإثيوبي المعتمد منذ 1995 وحتى الآن، ويتيح للأقاليم المشكلة للدولة الإثيوبية حق الانفصال وَفق ضوابط ومحددات تبدو سهلة لبعض المقاطعات وصعبة لمقاطعات أخرى.
جاء آبي أحمد من الأورومو التي تعرَّضت إلى مصادرة أراضٍ من إقليمها لصالح خطة تنمية العاصمة في 2015؛ مما فجَّر غضب أبناء قبيلته على النظام الحاكم، في وقت عانت فيه إثيوبيا قبل وصوله إلى السلطة تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الديون الخارجية إلى ثلاثة أضعاف في 7 سنوات فقط، لتصل إلى 24.5 مليار دولار بعدما كانت في 2010 تُقدر بنحو 7.8 مليار دولار فقط.
اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لسد النهضة.. هل تسيطر إثيوبيا على نهر النيل؟
أوقف آبي أحمد سلسلة القروض التي كانت متبعة قبل وصوله إلى السلطة، متعهدًا بأن يتم تنفيذ المشروعات التنموية بعد الانتهاء من المشروعات التي بدأ العمل فيها بالفعل، وهو ما عجل بمشروعات كبرى؛ مثل سد النهضة الذي عادت معدلات الإنجاز فيه إلى مستويات قياسية بعد سنوات من التباطؤ؛ نتيجة عمليات فساد شابت تنفيذ السد، وغيره من المشروعات الأخرى.
مدّ آبي أحمد يده بالسلام إلى الجميع؛ فرفع حالة الطوارئ في يوليو 2018، ورفع حركات مسلحة من قوائم الإرهاب؛ مثل جبهة تحرير أوجادين، وأصدر عفوًا عن الجماعات المسلحة، بخلاف تغييرات موسعة في الجيش والمخابرات كانت سببًا في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يونيو الماضي وأدت إلى مقتل رئيس أركان الجيش الذي عُيّن قبل عام فقط من اغتياله.
شاهد : إنفوغراف: أهم القوميات في إثيوبيا
الإصلاحات السياسية الداخلية السريعة لم تمنع آبي أحمد من المبادرة لإنهاء الخلاف التاريخي مع إريتريا التي كانت جزءًا من الدولة الإثيوبية؛ فجاء توقيع إعلان الصداقة والسلام بين البلدَين بجانب الاعتراف بجميع القرارات الدولية حول مثلث بادمي؛ لتؤكد وجود نظام سياسي راغب في تحقيق الاستقرار مع دول الجوار وتجنيب بلاده أي توترات على الحدود، ضمن سعي إثيوبي واضح لاستعادة القيادة في منطقة القرن الإفريقي بعد سنوات من التراجع.
فتح آبي أحمد بعلاقاته الجديدة مجالات للتعاون بين بلاده ودول الجوار؛ فاتفاقيات التعاون المشترك لتحقيق المصالح الاقتصادية كانت باكورة التعاون بعد تسوية القضايا السياسية المختلفة؛ فمن اتفاق الحصول على خدمات لوجيسيتية من موانئ مدينة لامو الكينية إلى اتفاقيات تطوير أربعة موانئ صومالية؛ للاستفادة منها، وغيرها من الاتفاقيات التي يجري التفاوض بشأنها؛ من أجل تحقيق استفادة اقتصادية لبلاده.

لماذا نوبل؟
في حيثيات الجائزة، تحدَّثت لجنة الاختيار عن المئة يوم الأولى من عمله كرئيس للوزراء؛ حيث عمل على رفع حالة الطوارئ في البلاد، ومنح العفو لآلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة الإعلامية، وقام بإضفاء الشرعية على جماعات معارضة محظورة، وفصل قادة عسكريين ومدنيين يشتبه في ضلوعهم في الفساد، كما أسهم في زيادة نفوذ النساء في الحياة السياسية والاجتماعية، وتعهَّد بتعزيز الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة.
قدرت لجنة الاختيار مجهودات آبي أحمد لتعزيز المصالحة والتضامن والعدالة الاجتماعية في الوقت الذي يوجد فيه نحو 3 ملايين لاجئ إثيوبي مشرد بالداخل، ونحو مليون آخرين طالبين للجوء من الدول المجاورة؛ حيث يواجه تحديات عديدة بسبب الصراعات العرقية التي لا تزال متصاعدة.
اقرأ أيضًا: إثيوبيا تواجه تداعيات انقلاب عسكري تسبَّب في مصرع رئيس الأركان
لجنة الاختيار قدرت مبادرة آبي أحمد لحل النزاع الحدودي مع إريتريا، وثمَّنت مجهوداته في التوسط بين كينيا والصومال لحل نزاعهما الطويل بخصوص المنطقة البحرية المتنازع عليها، بالإضافة إلى دوره في الوساطة السودانية بين المجلس العسكري والتيارات المدنية والتي مهَّد نجاحها لضمان انتقال سلمي للحكم المدني في السودان، معتبرةً أن منحه الجائزة الآن يأتي تقديرًا لجهوده التي تستحق التشجيع؛ خصوصًا أن استقرار إثيوبيا ونجاحها سياسيًّا واقتصاديًّا سيكونان داعمَين لاستقرار منطقة القرن الإفريقي.